الجمعة - 06 أيلول 2024
close menu

إعلان

صيف 2024 لاهب وحارّ... والآتي أعظم

المصدر: "النهار"
أمواج البحر.
أمواج البحر.
A+ A-
محمد حسن سمير بيضون
 
يمرّ العالم بصيف 2024، الذي يسجّل درجات حرارة غير مسبوقة، ليُصبح الأكثر حرارة في التاريخ الحديث. هذا الارتفاع في درجات الحرارة لم يكن مجرد أرقام، بل له أسباب متعددة وتأثيرات واسعة النطاق على حياة الناس في مختلف أنحاء العالم، خاصة في الدول العربية، مما يثير العديد من التساؤلات حول التغير المناخي وتأثيراته المستقبلية.
 
في الشرق الأوسط، شهدت الكويت درجات حرارة بلغت 54 درجة مئوية، ممّا تسبّب بتوقف العمل في العديد من الأماكن المفتوحة خلال النهار، وبانقطاع التيار الكهربائي، نتيجة للضغط الهائل على شبكات الكهرباء.
 
لبنان، تجاوزت درجات الحرارة فيه الـ 45 درجة مئوية في بعض المناطق.
 
المملكة العربية السعودية، تجاوزت درجات الحرارة في بعض مناطقها الـ50 درجة مئوية، مما دفع السلطات إلى إصدار تحذيرات صحيّة للمواطنين والمقيمين، ودولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا لم تكن بعيدة عن هذه الموجات الحارّة، حيث عانت إماراتا دبي وأبو ظبي من ارتفاعات كبيرة في درجات الحرارة.
 
موجات الحرّ لم تقتصر على الشرق الأوسط فحسب، بل امتدت لتشمل شمال أفريقيا. في القاهرة والجزائر وتونس، تجاوزت درجات الحرارة الـ 45 درجة مئوية، مما أدّى إلى توقف العديد من الأنشطة اليومية، وإلى زيادة الطلب على الماء والكهرباء. هذه الظروف دفعت بالعديد من الخبراء إلى تحليل الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع الشديد في درجات الحرارة.
 
خبير الأرصاد الجوية جو القارح قال في حديثه مع "النهار" إنّ السبب الأساسي لارتفاع درجات الحرارة هو الاحتباس الحراري. وأشار إلى أن الارتفاع الحالي في درجات الحرارة مرتبط بتأثيرات الاحتباس الحراري الذي يؤدي إلى زيادات ملحوظة في درجات الحرارة، مشيراً إلى أن تكرار ارتفاع درجات الحرارة يعزّز هذا الارتباط.
 
التأثيرات اليومية لارتفاع درجات الحرارة كانت واسعة النطاق. في بعض المناطق، أدى ارتفاع درجات الحرارة إلى انقطاع التيار الكهربائي بسبب الضغط الهائل على شبكات الطاقة، كما ازدادت حالات الإنهاك الحراري وضربات الشمس، خاصّة بين الفئات الأكثر ضعفًا مثل كبار السن والأطفال.
 
القارح أضاف أنّ التغير المناخي يؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان في تنقلاته وعمله، وحتى على الإنتاج الزراعي. مثلاً، محاصيل زراعيّة عدّة لم تتأقلم مع هذا التغيّر المناخي. وهذا الأمر ينطبق على الثروة الحيوانية والثروة المائية، فالحياة البيولوجيّة للثروات الحيوانية والمائية تتأثر بشكل سلبيّ بالتغير المناخي؛ وهذا ما لاحظناه في الدول العربية والعالم.
 
في مصر مثلاً، أثّر الجفاف الناجم عن الحرارة على إنتاج القمح والذرة، مما انعكس على أسعار الغذاء التي ارتفعت بشكل كبير.
 
في لبنان، تضرّرت محاصيل الفواكه والخضراوات، مما أثر على الإمدادات المحلية وزاد من الضغوط الاقتصادية.
 
لم تكن الحرائق بعيدة عن مشهد صيف 2024 اللاهب. في الجزائر، اندلعت حرائق هائلة في الغابات، مما أدى إلى تدمير آلاف الهكتارات من الأشجار ونزوح العديد من السكان. وشهدت مناطق الساحل السوري حرائق كبيرة تسبّبت بخسائر فادحة للغابات المحلية والحياة البريّة، ممّا أدى إلى تأثيرات اقتصادية واجتماعية عميقة.
 
أعاد صيف 2024 الجدل حول التغير المناخي وتأثيراته الكارثية على كوكب الأرض. "القارح" أشار إلى أنه إذا لم يتم تخفيض الأسباب التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، فستظلّ درجات الحرارة مرتفعة، مشيرًا إلى أنّ الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند وأوروبا هي الأكثر تلويثًا للجو.
 
بالنسبة إلى المستقبل، قال القارح "طالما لم يجد العالم حلاً لمعالجة أو تخفيض الأسباب التي تؤدي إلى الاحتباس الحراري، فمن المتوقع أن تظلّ درجات الحرارة مرتفعة، وهي أساساً مرتفعة بشكل مقلق. فمنذ 20 سنة، ازدادت معدلات درجات الحرارة لأكثر من درجتين، ونحن نتكلم عن أمر مقلق للغاية".
في مواجهة هذا التحدي، بات من الضروري على الحكومات والمنظمات العالمية التعاون والعمل بجدية لمكافحة التغير المناخي.
 
مبادرات لتعزيز استخدام الطاقة المتجدّدة
 
في الدول العربية، بدأت الحكومات بتبنّي سياسات بيئيّة أكثر صرامة. في السعودية، تم إطلاق مبادرات لتعزيز استخدام الطاقة المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية والرياح. في الإمارات، تم تبني خطط لبناء مدن مستدامة تعتمد على الطاقة النظيفة. في مصر، تتزايد الجهود لتوسيع استخدام الطاقة الشمسية وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
 
القارح أكدّ أنّ لبنان والعالم العربي ليسا مسببين للانبعاثات التي تسبّب الاحتباس الحراري، لكنهما يتأثران بشكل كبير بها.
 
العالم دقّ ناقوس الخطر من خلال المؤتمرات السنوية المعنية بالبيئة، والتي تعقد كل سنة لمواجة التغير المناخي، مثل مؤتمر UNFCCC، ومؤتمرcop، والتي تحثّ الدول على الحدّ من نشر التلوث وتخفيف الاحتباس الحراري. وهذا الذي شددّ عليه جو القارح، الذي قال: "على الدول الصناعية الكبرى استبدال الفيول بالطاقة المتجددة، والتخفيف من تصنيع السيارات التي تعمل بالفيول، واستبدالها بالسيارات الكهربائية، التي انتشرت بشكل كبير في الأعوام الأخيرة. وعلى الدول المشاركة في مثل هذه المؤتمرات الالتزام بهذه المعايير، وفرض قوانين صارمة على الدول المسبّبة للتلوّث؛ فمثلاً، هناك دول لا تزال تستخدم الفحم الحجري إلى يومنا هذا، وهناك دول لا تلتزم كلياً بكلّ هذه الاتفاقيات"، وهو ما يزيد الطين بلّة.
 
صيف 2024 هو بمثابة جرس إنذار للعالم أجمع، خاصة للدول العربية، التي تواجه تحدّيات مناخية واقتصادية كبيرة. هذا الصيف اللاهب يؤكدّ أنّ التغيّر المناخي لم يعد قضية مستقبلية، بل هو واقع نعيشه اليوم. بات من الضروري أن نتخذ جميعًا إجراءات جادة وسريعة للحفاظ على كوكبنا وضمان مستقبل آمن للأجيال المقبلة. التحدي كبير، لكن الأمل ما زال موجوداً إذا عملنا معًا لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للبيئة.
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم