الخميس - 19 أيلول 2024
close menu

إعلان

"عقيدة مونرو" والصيغة البوتينية!

هادي جان بو شعيا
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال العرض العسكري ليوم النصر في الميدان الأحمر، وسط موسكو (9 أيار 2022 - أ ف ب).
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال العرض العسكري ليوم النصر في الميدان الأحمر، وسط موسكو (9 أيار 2022 - أ ف ب).
A+ A-
على مدى 200 عام تلتزم الولايات المتحدة الأميركية بعقيدة على اسم أحد رؤسائها، حوّلت واشنطن إلى "شرطي العالم"، حيث عاد اليوم الحديث عن "عقيدة مونرو" المثيرة للجدل. ذلك أن الرئيس الروسي، على ما يبدو، تعلم الدرس من أعدائه الأميركيين ليغزو أوكرانيا ويطبق عليها بحرب ما زال أُوارُها يدمّر البشر والحجر.
 
(الأوار: حرّ النار ووهجها).
 
وتبرز دوافع بوتين الحقيقية لهذه الحرب التي تكاد لا تحيد قيد أنملة عن مضامين عقيدة أرسى مبادئها الرئيس الأميركي الخامس جيمس مونرو عام 1832.
 
فإن كان سيّد الكرملين أعلن حربه لحماية أشخاص يتعرّضون للإبادة ونزع السلاح والأفكار النازية من أوكرانيا، يعلم القاصي والداني أن الانضمام المحتمل للأخيرة لحلف شمال الأطلسي "الناتو" هو السبب الرئيسي لحرب يريد منها بوتين إبعاد خطر أميركا والغرب عن حدوده، ما يؤكد أنها ليست سوى "عقيدة مونرو" بنسختها "البوتينية" للحؤول دون انضمام أوكرانيا للحلف ومنع نشر قوات عسكرية معادية على حدود روسيا، الأمر الذي رأت فيه موسكو تهديداً وجودياً لأمنها القومي في تطبيق حرفي لعقيدة ما زالت تعتمدها أميركا لمنع أي نفوذ دولي في نصف الكرة الغربي باستثناء نفوذها، حيث ما زالت تعتبر دول الأميركيَّتيْن حديقتها الخلفية. ولا أدلّ على ذلك من أزمة الصواريخ يوم حرّكت واشنطن ترسانتها مهدّدةً بدمار الكوكب إن اقتربت صواريخ روسيا لتُنصب في كوبا.
 
والسؤال الذي يُطرح: ما هي "عقيدة مونرو" ولماذا عادت إلى الواجهة مع اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية؟!
 
بين عامي 1817 و1825 وصل إلى حكم الولايات المتحدة الرئيس جيمس مونرو الذي بدأ يفكّر بضرورة هيمنة أميركا على جيرانها، فتجلت أهم مواقفه على الساحة الدولية بمعارضة الاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الأرضية الغربي الذي بات يُعرف لاحقاً بالأميركيتيْن.
 
في عام 1823، ترجم مونرو توجّهاته برسالة إلى الكونغرس سُمّيت إعلان مونرو، حدّد به أربعة مبادئ رئيسة، إلا أن أهم ما ورد فيها كان منع القوى الغربية من استعمار أي مناطق جديدة في دول أميركا الجنوبية مع اعتبار محاولة أي دولة أوروبية للتوسّع فيها على أنها عمل عدائي ضد الولايات المتحدة. وفي ختام رسالته كتب مونرو عبارته الشهيرة "إن العالمين القديم والجديد لهما نظم مختلفة ويجب أن يظلا منفصلين".
 
أما دوافع مونرو المباشرة حينها لذلك الإعلان فهي خشيته من محاولة دول أوروبا إعادة استعمار بلدان أميركا اللاتينية التي كانت قد نالت استقلالها عن إسبانيا والبرتغال، حتى إن الولايات المتحدة كانت من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال خمس جمهوريات جديدة آنذاك في أميركا الجنوبية (الأرجنتين، تشيلي، كولومبيا، المكسيك والبيرو).
 
وكان من أهم دوافع انطلاق "عقيدة مونرو" لفرض أميركا هيمنتها على الدول المحيطة بها، تخوّف واشنطن حينها من تطلعات روسيا التوسعية في الساحل الشمالي الغربي لأميركا الشمالية، خصوصاً بعد بسط القيصر الروسي ألكسندر الأول هيمنته على مناطق شمال غرب المحيط الأطلسي في ألاسكا ومنع السفن الأجنبية من الاقتراب من ذلك الساحل في عام 1821.
 
ورغم أن الولايات المتحدة لم تكن قوة عظمى حينها، ظلت "عقيدة مونرو" حاضرة في الوعي السياسي الأميركي، حتى إن الرئيس الأميركي جيمس نوكس بوك أضاف عام 1845 على العقيدة أنه لا ينبغي للدول الأوروبية أن تتدخل في أي توسعات محتملة للولايات المتحدة.
 
 
صواريخ كوبا... شاهدة
في نهاية القرن التاسع عشر وشعور الولايات المتحدة بصعودها التدريجي كقوة عظمى على مستوى العالم آمنت واشنطن بأن الوقت قد حان لتطبيق "عقيدة مونرو" وظهر ذلك جليّاً عام 1904 وقتما هدد الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت بمواجهة دول أوروبية هددت بالتدخل العسكري في بلدان أميركا اللاتينية، وحينها استخدم روزفلت لأول مرة مصطلح "الشرطة الدولية" عندما قال: "إن التزام الولايات المتحدة بعقيدة مونرو ربما يضطرّها لأن تقوم بدور الشرطة الدولية". وسرعان ما استخدم روزفلت "عقيدة مونرو" لتبرير التدخل العسكري الأميركي في بلدان تقع في منطقتي أميركا الوسطى والكاريبي بما فيها نيكاراغوا وجمهورية الدومينيكان وهايتي وكوبا. كما واصل استخدام العقيدة لتبرير تدخل أميركا في شؤون جيرانها الجنوبيين.
 
ولعلّ أكثر التطبيقات فداحةً لتلك العقيدة ما حدث عام 1962 عندما فرض الرئيس الأميركي جون أف كينيدي حصاراً بحرياً وجوياً على كوبا عندما بدأ الاتحاد السوفياتي بإنشاء منصّات لإطلاق الصواريخ هناك وتحديداً على بعد نحو 90 ميلاً فقط من السواحل الأميركية، حيث لوّحت واشنطن وقتها باستخدام القوة العسكرية بما فيها النووية لتحييد ما اعتبرته تهديداً لأمنها القومي باقتراب السوفيات من حدودها. عاش العالم وقتذاك 13 يوماً من الرعب والخوف من اندلاع حرب نووية بين القوتين العظميَيْن، إلا أن الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف وكينيدي جنّبا العالم كارثة حقيقية بعد الاتفاق على إزالة الصواريخ من كوبا مقابل تعهّد واشنطن بعدم غزو البلاد، بالإضافة إلى موافقة أميركا على إزالة قواعد جوية وصاروخية عدة من تركيا.
 
 
الغمز من قناة "مونرو"
استمرّ إيمان الولايات المتحدة بعقيدة مونرو حتى عام 2013 عندما أعلنت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما انتهاء حقبة هذه العقيدة، حيث ظن الجميع أن تحوّلاً كبيراً طرأ على السياسة الأميركية. غير أن وصول إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في عام 2016 سرعان ما أعاد "عقيدة مونرو" إلى الواجهة مرة أخرى، خصوصاً عندما امتدح وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون في خلال زيارة قام بها للمكسيك تلك العقيدة قائلاً: "إنها اليوم ملائمة تماماً مثلما كانت ملائمة يوم كُتبت". وعلى إثرها أعلن ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة "أن أميركا منذ الرئيس مونرو تمنع التدخل الأجنبي في هذا النصف من الكرة الأرضية"، الأمر الذي اعتُبر وقتها تحذيراً لروسيا والصين اللتين حاولتا الاقتراب من دول أميركا اللاتينية التي تراها الولايات المتحدة فناءها الخلفي.
 
ومع وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض حافظ على الإيمان الأميركي بعقيدة مونرو لقطع الطريق أمام الروس من الاقتراب من حدود أميركا. وما إن شنّت روسيا حربها على أوكرانيا حتى بدأ عقد المقارنات بين موقف موسكو واعتبارها أن توسّع حلف شمال الأطلسي "الناتو" ليضمّ بلداناً على حدودها بمثابة تهديد لأمنها القومي من جهة و"عقيدة مونرو" التي برّرت التدخلات العسكرية الأميركية في دول جوارها، ما حدا بالسيناتور الأميركي بيرني ساندرز للتساؤل: "هل يظن أحد أن الولايات المتحدة كانت ستلتزم الصمت لو أن المكسيك أرادت دخول تحالف عسكري مع خصم لواشنطن".
 
ولعلّ السؤال الأوسع الذي يطرح نفسه: إلى أي حدّ كان سيناريو الحرب وارداً لدى الولايات المتحدة إذاما قرر أحد جيرانها الانضمام إلى حلف عسكري يعاديها؟!
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم