يمكن القول إنّ العام 2022 كان إيجابياً في نواحٍ مختلفة في معظم أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد شهد الكثير من دول المنطقة انحساراً لجائحة فيروس كورونا المُستجدّ، وتراجعت حدّة العنف في عددٍ من مناطق الصراع، وتضاءل التنافس بين القوى الإقليمية مُفسحاً المجال أمام المزيد من الدبلوماسية والتقارب.
ولكن في وقت يلوح فيه ركود اقتصادي عالمي وتتجاوز تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الحدود الأوروبية، تبدو آفاق السلام والازدهار في المنطقة قاتمة في العام 2023. هنا آراء باحثين في "مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية" وتوقّعاتهم للمشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة.
أزمة اللاجئين والقضايا الإنسانية تبقي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حالة ترقّب في العام 2023
رانج علاء الدين
خفتت الصراعات في الشرق الأوسط وتنعّمت المنطقة ببعض الهدوء في العام 2022. ويعود الفضل جزئياً إلى الجهود الإقليمية التي بُذِلت لإرساء السلام، مثل التقارب بين تركيا والإمارات العربية المتحدة ووساطة العراق لخفض التوتّرات بين المملكة العربية السعودية وإيران، وأيضاً إلى وقف تصعيد الصراعات المستمرّة في سوريا واليمن وليبيا. يُضاف إلى ذلك تحوّل التركيز والموارد العالمية نحو الحرب في أوكرانيا التي تحدّت قواعد النظام الدولي بطريقة غير مسبوقة وأجبرت دول الشرق الأوسط على إعادة دوزنة سياساتها الخارجية، أولاً لموازنة علاقاتها مع الدول الغربية وروسيا، وثانياً لإرساء المبادئ الأساسية لهياكل الأمن الجماعي المُستقلّة عن الجهات الخارجية.
مع ذلك، قد يكون الهدوء في الشرق الأوسط مُخادعاً، إذ لا تزال المنطقة مُعرّضة لخطر استئناف الصراعات نتيجة الأزمات الإنسانية المستمرّة وغياب أي حلّ مُستدام للحروب التي ابتُلِيت بها على مدى العقد الماضي. وفي حين ساهمت حالة الإرهاق الجماعية وعوامل جيوسياسية في تراجع سفك الدماء، إلا أن مسبّبات الصراع لا تزال قائمة وتعرّض المنطقة لخطر الاشتغال مجدّداً.
حتى العام 2022، أسفرت الحرب في سوريا عن تشريد أكثر من 13 مليون شخص بين نازح ولاجئ، وأصبح 14.6 مليوناً آخرين بحاجة إلى مساعدات إنسانية. وقد وصل عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية إلى 23.4 مليون شخص في اليمن و2.4 مليونين في ليبيا. إلى ذلك، يشهد العراق وسوريا عودة لتنظيم الدولة الإسلامية، فيما تصاعدت التوتّرات الجيوسياسية نتيجة الاحتجاجات والثورات الشعبية في إيران. عملياً، تؤدّي هذه الظروف إلى اندلاع صراعات واسعة النطاق، ولا تبشِّر بأي استقرار على المدى الطويل.
عام صعب للدول المستوردة للنفط
نادر القباني
يواجه الاقتصاد العالمي إمكانية الدخول في ركود في خلال العام 2023. وسيؤثّر ذلك بشكل كبير في البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيّما لناحية انخفاض إيراداتها المُتأتّية من قطاعات رئيسية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج. وسيؤدّي ذلك بدوره إلى تقليص الإنفاق الاجتماعي وارتفاع احتمال تجدّد الاضطرابات الشعبية.
ترزح مصر والأردن وتونس ولبنان تحت أعباء مديونية عامّة كبيرة تتجاوز معدّلاتها 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبما أنّها تُعدّ بلداناً مستوردة صافية للطاقة والغذاء، فإنها أكثر عرضة لتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أسواق الطاقة والغذاء العالمية. وبالفعل، يعاني لبنان أزمةً مالية حادّة خنقت اقتصاده وخفّضت قيمة الليرة إلى أقل من 5 في المئة عمّا كانت عليه في العام 2019. في الواقع، تجعل المستويات المرتفعة للدَّيْن العام وشبح التضخّم الحيّز السياساتي في البلدان المستوردة للنفط محدوداً سواء لاقتراض الأموال أو زيادة المعروض النقدي، ما يلزمها باستكشاف خيارات أخرى للتعامل مع الركود الاقتصادي العالمي.
يجب إذاً على البلدان المستوردة للنفط النظر في الإصلاحات البنيوية المؤجّلة منذ زمن، بما فيها استبدال دعم أسعار الطاقة بالتحويلات النقدية، وفكّ قيود القطاع الخاص لتحريك عجلة النموّ الاقتصادي وخلق فرص العمل. وقد اقترحت منظّمات دولية وخبراء تنمويون مراراً هذه البدائل السياساتية، ولكنّها قوبلت دائماً بمعارضة شديدة من المصالح الخاصّة في تلك البلدان. إلّا أنّ الأزمة الاقتصادية أو المالية التي تلوح في الأفق قد تساعد على خلق الزخم السياسي اللازم لإجراء إصلاحات أساسية ضرورية وتحفيز النموّ الطويل الأجل والتنمية المستدامة.
رجل يتفحص منتج زيت في لبنان. (النهار)
الخطر الداهم لانعدام الأمن الغذائي
نجلاء بن ميمون
يواجه الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2023 عدداً من التحدّيات الخطيرة تطال الأمن الغذائي. وتعتمد المنطقة أصلاً بشكل مُفرط على أجزاء أخرى من العالم لتلبية احتياجاتها الغذائية، بحيث تستورد نحو 50 في المئة من حاجاتها الاستهلاكية، في حين تجعلها سلاسل التوريد الضعيفة وغير المرنة أكثر عرضة لارتفاع الأسعار العالمية والصدمات الخارجية، مثل جائحة فيروس كورونا المُستجدّ والحرب في أوكرانيا.
يضاف إلى ذلك تغيّر المناخ والضغوط البيئية، مثل ارتفاع وتيرة الطقس المتطرّف، وارتفاع درجات الحرارة، ونقص هطول الأمطار، والإجهاد المائي، التي تؤثّر بشدّة في عدد من بلدان المنطقة، ومن ضمنها العراق والأردن ودول شمال أفريقيا والدول الخليجية. فعلى الرغم من بدء موسم الزراعة لعام 2023، إلّا أنّ المنطقة تسجِّل نقصاً كبيراً في معدّلات هطول الأمطار، وتشهد درجات حرارة أعلى من المتوسّط قد يؤثّران على المحاصيل المحلّية.
كذلك، تؤثّر الصراعات الكثيرة في المنطقة في أمنها الغذائي. وتتصدّر سوريا واليمن المُمزّقتان بالصراعات لائحة البلدان التي تعاني انعداماً في الأمن الغذائي وسوء التغذية. وفي الوقت نفسه، تستمرّ الصعوبات الاقتصادية والركود المُرتقب في إضعاف القوة الشرائية للأفراد، التي تطال نسباً كبيرة من السكّان في تونس ومصر ولبنان. وتبيّن الدورة الأخيرة من الباروميتر العربي أنّ أكثر من نصف الأشخاص في 9 من الدول العشر التي شملها الاستطلاع لديهم مخاوف من نقص الغذاء. لذلك، يُفترض بحكومات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تولي اهتماماً خاصاً لهذه القضية، وأن تضع الخطط الموافقة لها لتخفيف حدّة الأزمة المتوقّعة.
دبلوماسية إعادة الضبط تترسّخ في المنطقة وتعيد تشكيل معالمها
غالب دالاي
منذ رفع الحصار عن قطر في كانون الثاني 2021، أعيد تحديد سياسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قاعدة تهدئة العلاقات بين دول المنطقة، وتطبيعها، وإعادة ضبطها، بعد أكثر من عقد من التنافس والصراعات التي أعقبت الربيع العربي. وفي العام 2023، سيكون لهذه العملية تأثير أكبر في التحالفات الإقليمية، ومناطق الصراع، والعلاقات مع القوى الخارجية، والتعاون الاقتصادي داخل المنطقة.
في وقتٍ لم تَعُد فيه المنطقة منقسمة بسبب التنافس المُرتبط بالربيع العربي، تشهد التحالفات تحوّلاً. ومن المرتقب حصول تقارب تدريجي بين الرياض والدوحة، وربّما مع أنقرة أيضاً. وكذلك من المرجّح أن تستكشف تركيا ومصر والإمارات العربية المتّحدة طرقاً للتوصّل إلى توافق أكبر في ما بينها في الشأن الليبي، وأن تطلق تركيا وسوريا وروسيا عملية ثلاثية منظّمة بهدف استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق.
في الواقع، إنّ تقليص الولايات المتّحدة لحجم التزاماتها الأمنية في المنطقة، بالتوازي مع تنامي الامتعاض من سياساتها الإقليمية، يدفع أيضاً باتجاه إعادة ضبط العلاقات الخارجية لدول المنطقة والحثّ على توسيعها. وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا والمنافسة الناشئة بين الولايات المتّحدة والصين وروسيا، من المتوقّع أن تؤدّي التعدّدية القطبية المتوسّعة إلى تردّي العلاقات بين الولايات المتّحدة وبلدان الشرق الأوسط واحتدام الأزمات والاشتباكات في الأفق.
أخيراً، طُرِحت سياسة إعادة الضبط الإقليمية من منظور متمحور حول الاقتصاد، إلّا أنّ المكاسب الاقتصادية غير المتوقّعة كانت متواضعة. ويرجّح في العام 2023 أن يكون نهج "الاقتصاد أولاً" أكثر بروزاً خصوصاً أنّ القوى الإقليمية تحاول سدّ الفجوة بين احتياجاتها الاقتصادية وسياساتها الخارجية.
تفاؤل ضئيل بنهاية حرب اليمن في العام 2023
فوزي الغويدي
دخل اليمن في حرب أهلية في ستينيات القرن الماضي انتهت بعد ثمانية أعوام عندما توصّل الملكيون والجمهوريون إلى مصالحة سياسية. فمع دخول الحرب الحالية عامها الثامن في العام 2023، من الطبيعي أن تُعلّق الآمال على أن يعيد التاريخ نفسه. وبعد أن وقّعت الأطراف المُتحاربة اتفاق هدنة في نيسان 2022، ساد جوّ من التفاؤل بإمكانية الوصول إلى سلام في اليمن، وتشكّل مجلس القيادة الرئاسي لضمان تقاسم مؤسساتي للسلطة. لكن سرعان ما تحطّمت هذه الآمال في منتصف العام عندما اندلعت اشتباكات في محافظة شبوة كاشفة عن هشاشة السياسات داخل المجلس. وقد رفض الحوثيون من جانبهم تمديد الهدنة إلى الثلث الأخير من العام، وصعّدوا عسكرياً عبر تعبئة قوّاتهم في مناطق الصراع وقصف موانئ النفط في جنوب شرق البلاد الذي أدّى إلى وقف غالبية إنتاج النفط اليمني.
وعلى الرغم من الحوار الواعد لتبادل الأسرى بين السعوديين والحوثيين في نهاية عام 2022، إلّا أنّ المؤشّرات بمعضمها تدلّ إلى الدخول في عام سيئ آخر. فمع توقّف صادرات النفط، من المرجّح أن يتدهور الوضع الاقتصادي في اليمن أكثر فأكثر، وأن يتسبّب بانهيار إضافي في قيمة العملة اليمنية خصوصاً في ظل الركود الاقتصادي العالمي، بما يؤدّي بسهولة إلى تفاقم حدّة الأزمة الإنسانية في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، ينذر تحرّك القوّات البرية للحوثيين بتصعيد في الجبهات العسكرية المأزومة في مأرب وتعز ولحج وأبين، وإمكانية تحوّل المياه الإقليمية اليمنية إلى ساحة معركة جديدة بعد أن أظهر الحوثيون بعض القدرات البحرية.
وعلى الرغم من أنّ العام الجديد يفترض أن يحمل آمالاً واعدة، لكن في حالة اليمن الممّزق بالحرب، يصعب التفاؤل في تحقيق السلام في العام 2023.
الاقتصاد المصري يواجه رياحاً عكسية
عادل عبد الغفّار
من المتوقّع أن تواجه مصر تحدّيات مزدوجة في العام 2023، تتمثّل في ارتفاع معدّل التضخّم وزيادة أسعار المواد الغذائية. وتستمرّ الضربة المزدوجة لفيروس كورونا المُستجدّ والحرب الروسية الأوكرانية في تعكير صفو الاقتصاد المصري، الذي يعتمد بشكل كبير على القمح المستورد من كلا البلدين، ويشهد حالياً أزمة شحّ بالعملات الأجنبية تؤثّر في الحركة الاقتصادية في جميع أنحاء البلاد.
بالطبع، مصر ليست البلد الوحيد الذي يواجه آفاقاً اقتصادية مُلبّدة، فقد حذّر صندوق النقد الدولي من عام صعب سيعصف بالاقتصاد العالمي، ولكنّه قد يكون مروِّعاً بالنسبة إلى مصر نظراً للضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتعدّدة التي تمرّ بها. على المدى القصير، قد يؤدّي قرض الصندوق المُمدّد حديثاً بقيمة 3 مليارات دولار بالتوازي مع الاستثمارات والمنح من الدول الخليجية إلى استقرار الاقتصاد، لكن على المدى الطويل يفترض مراقبة نتائج برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته مصر وصندوق النقد الدولي وقدرته على تحقيق التعافي الاقتصادي المُستدام والشامل.
ميزان قوى مُتغيّر في المنافسة الإقليمية
عمر حسن عبد الرحمن
مع بدء العام 2023، لا تزال الاضطرابات الشديدة في إيران تسيطر على الحيّز الأكبر بين أحداث الشرق الأوسط. تدخل الاحتجاجات ضدّ الحكومة العام الجديد بزخم ودفع بعد ثلاثة أشهر على اندلاعها، وهي تُعدُّ الأكبر منذ إرساء نظام الجمهورية الإسلامية في العام 1979. يأتي ذلك بالتوازي مع استمرار العقوبات الأميركية على إيران، وجمود المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي لخطّة العمل الشاملة المشتركة، بحيث يرجّح أن تواجه الدولة الإيرانية تحدّياً خطيراً في إبراز قوّتها خارج حدودها، لا سيما بعد تدهور شبكة تحالفاتها الإقليمية، التي شهدت صعوداً ملموساً في السابق.
في سوريا، بدأ نظام الأسد العام الجديد مع أزمة اقتصادية حادّة، وتدهور الوضع الإنساني، وعودة ظهور الدولة الإسلامية.
في لبنان، وعلى الرغم من امتلاك حزب الله – حليف طهران – نفوذاً سياسياً كبيراً، إلّا أنّه يمارس هذا النفوذ على أنقاض دولة تعاني تدهوراً اقتصادياً وسياسياً غير مسبوقين. في العراق، حيث هيمنت القوّات الشيعية المتحالفة مع إيران على الدولة لسنوات، تطأ البلاد أعتاب عام 2023 وهي على شفير اندلاع حرب أهلية بين مختلف الفصائل الشيعية. وفي اليمن، لا يزال الحوثيون عالقون في حرب أهلية مستمرّة تستنزفهم وتزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية.
في الوقت نفسه، لا يتنعّم أعداء إيران بارتفاع أسعار النفط فحسب، بل يعالجون انقساماتهم الإقليمية وينوّعون علاقاتهم. (حتى تركيا، التي تزداد حدّة تنافسها مع إيران ، تصالحت مع خصومها في الخليج، وكذلك مصر وإسرائيل). بالنظر إلى الظروف الاقتصادية القاسية التي تلت تفشّي الجائحة وتداعيات الحرب في أوكرانيا، من المرجّح أن تستفيد الدول المصدّرة للطاقة من مكاسب غير متوقّعة لتعزيز نفوذها الإقليمي من خلال اتباع "دبلوماسية الإنقاذ" مع جيرانها المستوردين للنفط. يشير هذان الاتجاهان إلى تحوّل في ميزان القوى في المنطقة، قد يكون مفيداً في إعادة تشكيلها في خلال العام المقبل.
*كُتبت المقالة أصلاً باللغة الإنكليزية، وهي ضمن سلسلة مقالات "آراء من المجلس" يعبّر من خلالها الزملاء والخبراء في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية عن آرائهم ورؤياهم حول القضايا الرئيسية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.