يُخطئ من يراهن على أن العالم باستطاعته الحؤول دون اندلاع حرب أممية أو عالمية ثالثة ساحقة. بل إن المجتمعات والدول كلّها تغلي، ولأسباب كثيرة لن ندخل في تعدادها، نظراً الى وفرتها وتعدّدها وتناقضاتها.
ذلك أن الأزمات والنزاعات والحروب المعلنة، وتلك الخفية منها "كحروب الظل" بين الدول، ونتيجة ذرائع منها ما قد تكون صحيحة وأخرى واهية، تضع مصير الأمم والبشرية جمعاء على شفا الهاوية، وربما على فوهة بركان لا فرق!
من يقلّب صفحات التاريخ ويراقب ما خطّه، ويقارن ما يحصل اليوم بما حصل في الأمس القريب، يتيقّن أن العالم بات مضطرباً ومتخلّفاً وقد لا نغالي في وصفه بأنه غير سويّ.
ولعلّ جنون الصراعات الآنية (الجديدة-القديمة) والمستحدثة منها باتت تتحوّل، شيئاً فشيئاً، وقوداً إضافياً يُغذّي ويسرّع من خطورة الإنفجار العظيم، الذي نحاول مقاربة معالمه التي باتت جلية وواضحة، إذا ما أجرينا تمحيصاً في سلوكيّاته وسُبُله وتالياً لتبعاته.
ما يدمي القلب أن اجتراح الحلول صار من سابع المستحيلات، ما يسهم في انعدام مسارات التهدئة واتساع دائرة الاستعصاء وتعقيدها حتى يصبح الزمن عنصراً من عناصر التأزيم.
قبل يومين، وبعد سويْعات من إعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، بدء ضخ غاز اليورانيوم "uf6" في أجهزة الطرد المركزي في المفاعل النووي، تعرّضت منشأة نطنز النووية إلى هجوم الكتروني، تسبب بحريق وأسفر عن انفجار صغير في المجمع، وتحديداً في قسم توزيع الكهرباء، بحسب ما ذهبت إليه تسريبات إسرائيلية اتهم على إثرها، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتسريبها، وهذا ما يعزّز صحة الرواية الرسمية الإيرانية.
ويقول خبراء، في هذا الإطار، أنه كان من الممكن التسبب بانفجار أو حريق بسهولة نسبية، نظراً الى اعتماد منظومات التبريد والتوزيع الكهربائي في المؤسسات الكبيرة على أجهزة الحاسوب لإدارة عملها.
وفرضياً، من المفيد القول إن حادثة نطنز قد تكون تسببت بزيادة التحمل على منظومات توزيع الكهرباء بنحو فاق قدرتها، في إشارة هنا إلى هجوم استهدف سلاسل التحكم والأمن لتعطيلها عبر تخريب أجهزة الكومبيوتر التي تتحكم بها.
يذكر أن إسرائيل تقوم، ومنذ سنوات، بشنّ هجمات إلكترونية ضد المنشآت النووية الإيرانية، بما فيها استهداف نطنز في 2010 عندما استخدمت فيروساً إلكترونياً عرف باسم Stuxnet طورته بالتعاون مع الولايات المتحدة، ودمّرت نحو ألف جهاز طرد مركزي وتسببت بنكسة كبيرة لبرنامج ايران النووي.
مما لا شك فيه، أن فيروس Stuxnet يُعتبر أوّل سلاح رقمي في العالم، وولّد حَيْرة كبيرة في صفوف مفتشي وكالة الطاقة الذرية كما للعلماء الإيرانيين الذين عانَوا من تعطّل حواسيب المفاعل لأشهر طويلة خلت.
وهذا ما يدفعنا لطرح الإشكالية التالية: هل سيؤدي الهجوم على منشأة نطنز إلى إشعال توتر عسكري في المنطقة؟
لعلّ الوقت هو الكفيل في الإجابة عن سؤال كهذا، خصوصاً أن الإيرانيين توعّدوا بالردّ والانتقام ما يعزّز فرضية حدوثه في أي لحظة وفي أي مكان وعلى مستويات مختلفة.
كما يلعب التوقيت دوراً بالغاً في تحليل خلفيات الهجوم، خصوصاً أنه يأتي قبيل إجراء جولة ثانية من المباحثات النووية في فيينا بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من جهة، وإيران من جهة أخرى.
وبما أن إيران قد لا تستطيع الرد بهجوم إلكتروني، فإن رداً عسكرياً مباشراً أو غير مباشر قد يكون متوقعاً في أي لحظة. وهذا ما برز باستهداف السفينة الإسرائيلية قبالة سواحل الإمارات من إمارة الفجيرة عبر صاروخ يرجّح انه أُطلق من سفينة أو مسيّرة.
إزاء هذا كلّه، ينطوي تعريف "الحرب السيبرانية" على قيام أي دولة أو منظّمة دولية بإجراءات تستهدف أجهزة الكمبيوتر أو شبكات المعلومات في دولة أخرى، بغية إلحاق الضرر بها، من خلال فيروسات الكمبيوتر أو هجمات إيقاف الخدمة.
ولعل هذا التعريف هو الذي يقودنا إلى أن هناك فعلاً حروباً قائمة اليوم بين الدول، قد تتحول حروباً عسكرية ميدانية، بحراً، وبراً، وجواً. ما يوحي باتساع جغرافياتها، مهدّدةً الأمن العالمي بأسره.
إذاً، في الحقيقة، قد يكون الخطر "الخفي" الذي ينتقل في موجات واي فاي، بلوتوث، وكابلات البيانات هو الخطر الذي يجب أن يحذر منه الجميع. إذ من الممكن أن تؤدي هجمة الكترونية إلى خسائر كبيرة قد لا تُحمد عقْباها وتطورها إلى معارك عسكرية.
كما يبرز إمكان أن تؤدي أي هجمة إلكترونية على مؤسسة نووية أو عسكرية إلى سقوط ضحايا، خصوصاً أن من الصعب التنبؤ بمدى اتساع رقعة الهجمة أو تحديد ضررها وضمان عدم تسرّب أي إشعاع نووي...
في وقت تتعدّد استخدامات الأنظمة بين دولة وأخرى، ما يفسح في المجال أمام أي هجوم فيروسي إلى إصابة أكثر من نظام في وقت واحد، قد تؤدي هجمة تستهدف التعطيل أو التأخير إلى إزهاق أرواح العديد من المدنيين والعسكريين الأبرياء.
إن أحداً لا يعلم متى ستتحول الحرب الإلكترونية حرباً فعلية حامية، خصوصاً بعد الخسائر الاقتصادية الكبيرة التي طاولت كبريات الشركات العالمية والتي تقدّر بمئات المليارات من الدولارات، والتي نتجت من هجمات الكترونية وحروب سيبرانية بين عدد كبير من الدول.
لكن ماذا في حال قررت إحدى الدول العظمى، في وقت باتت خريطة الموازين الاقتصادية والأيديولوجية والعسكرية والتكنولوجية تتشكّل من جديد، وعلى نحو متكافئ، خوض غمار الخيار العسكري بوجه أي خرق إلكتروني مستقبلي يستهدف عمقها، ما سيعبّد الطريق أمام سيناريوات حرب عالمية مقبلة، بالتأكيد لا أحد يرغب في مشاهدة فصل من فصولها.