الجمعة - 20 أيلول 2024
close menu

إعلان

ما هو موقفك أيها اللبناني ممّا يجري في أوكرانيا؟

امرأة مُصابة تقف بجانب سيارة تابعة لوحدة الطوارئ لتلقّي المساعدة الطبية بعد قصف بلدة تشوغويف، شرق أوكرانيا (24 شباط 2022 - أ ف ب).
امرأة مُصابة تقف بجانب سيارة تابعة لوحدة الطوارئ لتلقّي المساعدة الطبية بعد قصف بلدة تشوغويف، شرق أوكرانيا (24 شباط 2022 - أ ف ب).
A+ A-
غسان صليبي
 
تعوّد اللبنانيون أن يكون لهم موقف من قضايا الخارج وهم يعبّرون عنه بالحدة نفسها التي يعبّرون فيها عن قضايا الداخل. ربما لاعتقادهم أنهم بذلك يخوضون معركة داخلية أيضا، لفرط التداخل بين الداخل والخارج في حياتهم السياسية. فكيف إذا كان المعنيون في اوكرانيا هما روسيا وأميركا اللتان لهما تأثير كبير في أحوال لبنان.
 
في غياب استطلاع للرأي حول الموضوع، افترض أن يكون اللبنانيون منقسمين فئتين: قسم كبير منهم – وأغلبيتهم ممن يُعرفون بجماعة الممانعة- يؤيد ما تقوم به روسيا، في حين أن قسما كبيرا أيضا – وأغلبيتهم ممن يعارضون جماعة الممانعة- يؤيد أميركا وأوروبا.
 
مؤيدو روسيا سيقولون أن الروس لا يمكن ان يتقبلوا أن تنضم اوكرانيا إلى حلف الاطلسي(الناتو)، فيصبح على حدود روسيا مباشرة، وخصوصا أن بلدانا أخرى من أوروبا الشرقية سبق لها ان انضمت الى الناتو . يذكّر هؤلاء، كما فعل بوتين قبل ايام، بأن أوكرانيا كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي وهو الذي جعل منها ما هي عليه اليوم.
 
اما مؤيدو الغرب فسيقولون إن اوكرانيا تريد الانضمام الى حلف الاطلسي لحماية نفسها من الغزو الروسي المحتمل، وخصوصا أن الروس كانوا احتلوا شبه جزيرة القرم الأوكرانية سنة ٢٠١٤، وها هم يسيطرون اليوم بواسطة انفصاليين تابعين لهم، على ثلث مقاطعتين اوكرانيتين انفصاليتين في شرق اوكرونا هما دونيتسك ولوغانسك. وها هي روسيا تعترف باستقلالهما عن اوكرانيا، وبدأ بوتين بالفعل هجومه عليهما معلنا ان قواته هي "قوات سلام".
 
ما يهمني أكثر من هذين الموقفين، هو عدد اللبنانيين الذين سيتساءلون قبل اتخاذ موقف، عن رأي الأوكرانيين كشعب مما يجري في بلادهم، اي عدد اللبنانيين الذين يتمسكون بحق الشعوب في تقرير مصيرها. هذا بالنسبة لي، مؤشر حول حجم الكتلة الشعبية اللبنانية التي تطالب فعلا بإستقلال لبنان عن صراع المحاور وحق الدولة اللبنانية في سيادتها على أراضيها.
 
انا من بين الذين تساءلوا عن موقف الشعب الاوكراني، الذي يفترض أن يكون هو نفسه موقف سلطته المنتخبة ديموقراطيا، موقفا يؤيد الانضمام إلى أوروبا والناتو. لكني قلت في نفسي فلأدقق أكثر في الموضوع، فربما أن النظام غير ديموقراطي كما تقول جماعة الممانعة، و"الثورة البرتقالية" التي قام بها الشعب الاوكراني، لم تكن ثورة شعب بل مؤامرة اميركية، خصوصا أن أميركا لم تتوانَ يوما عن التدخل في شؤون البلدان الأخرى وصولا إلى تدبير الانقلابات العسكرية، في أرجاء المعمورة كافة.
 
كباحث اجتماعي، فضّلت اللجوء إلى استطلاعات الرأي المتوفرة، لعلها تقدم مؤشرات أكثر صدقية حول الرأي العام الأوكراني. حصلت على دراسة حديثة صادرة عن مجموعة "رايتينغ سوسيولوجيكال"، نشرت خلاصاتها في الصحف. تم إجراء الاستطلاع بين 16 و 17 شباط في جميع مناطق أوكرانيا باستثناء القرم ومنطقتي دونيتسك ولوغانسك. ولا يتخطى هامش الخطأ 2.4%. بحسب نتائج الدراسة، أيد 62% من الأوكرانيين انضمام بلادهم إلى الناتو، بينما أبدى 30% مشاعر سلبية تجاه هذه المباردة.
 
اللافت في استطلاع الرأي أنّه أظهر تقدماً ببضع نقاط مئوية في نسبة التأييد عما كانت عليه الحال خلال الشهرين الماضيين: فقد ناصر 55 إلى 58% من الأوكرانيين هذه الفكرة أواخر سنة 2021 وفقاً لما نقله موقع "يوكرإنفورم" عن الاستطلاع.
 
في الوقت نفسه، أيّد 68% من المستطلعين عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي وعارض 24% هذه الفكرة، وأظهرت هذه النسبة أيضاً تقدماً عما كانت عليه الأرقام منذ شهرين، وبلغت مستواها الأعلى في سجل الاستطلاعات منذ 2013.
 
وذكرت مجموعة "رايتينغ سوسيولوجيكال" أنّ دعم الاندماج مع الكيانات الغربية يبلغ نسبة أعلى بين المستطلعين في غرب أوكرانيا ووسطها، ونسبة أدنى في الجنوب. في الشرق القريب من روسيا، تعارض الغالبية الانضمام إلى الناتو. لكن بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، هنالك تساوٍ في نسب التأييد والمعارضة ضمن مناطق الشرق الأوكراني.
 
في تحديدنا لموقفنا من القضايا الوطنية، هل ننطلق كشعب لبناني من إرادة الشعب أو من الإعتبارات الجيو- السياسية المحيطة بنا؟ أطرح هذا السؤال لعلمي ان علاقة روسيا وأوكرانيا تشبه إلى حد بعيد علاقة سوريا بلبنان. سوريا اكبر وأقوى عسكريا من لبنان وهي تلف معظم حدوده، وتقول ان هناك شعب واحد في البلدين لكن في دولتين، وإن لبنان كيان مصطنع، تماما كما قال البارحة بوتين عن أوكرانيا. فضلا عن التشابه بين النظامين الأمنيين في روسيا وسوريا، وقد قلّدت سوريا تاريخيا النظام الأمني في الاتحاد السوفياتي وبرعاية هذا الأخير. بالتالي نعرف جيدا نحن اللبنانيين ماذا يعني غزو بلاد لبلاد أخرى حتى لو ترافق الغزو مع اجمل الشعارات الأخوية.
 
تعمّدت نشر هذا المقال مع بداية الغزو الروسي، حتى لا تؤثر نتائج المعارك على بلورة مواقفنا كلبنانيين، كما يحصل مع الشعوب التي تعدّل بمواقفها وفقا لموازين القوى ولمسار الامور.
 
بالتأكيد ليس لمواقف اللبنانيين اي تأثير على ما يجري في أوكرانيا، لكن هذه المواقف تعكس في رأيي نظرة اللبنانيين إلى استقلال بلادهم واستعدادهم للحفاظ على الكيان اللبناني.
 
بعد ان خبر اللبنانيون أكثر من غيرهم مآسي الحروب، ربما أصبح لديهم موقف أكثر رفضا للحرب، التي سيكون لها بالطبع التأثير الكبير على حياة الاوكرانيين، الذين سيدفعون الثمن الغالي على أرضهم ومن أجساد شعبهم. سيتأثر الأوروبيون أيضا، لكن الدولتين العظميين، الامبرياليتين، روسيا وأميركا، ستقطفان كما العادة، ثمن اوجاع الآخرين.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم