الخميس - 04 تموز 2024

إعلان

ملاحظات انتخابيّة

مكتب الترشيحات في وزارة الداخلية (نبيل اسماعيل).
مكتب الترشيحات في وزارة الداخلية (نبيل اسماعيل).
A+ A-
نهاد محمود
 
تحضرني هذه الأيام ومع متابعةِ أخبار الانتخابات، عبارة كان يردّدها صديق: "في بلادنا وفي منطقتنا توقّع دائماً السيناريو الأسوأ"، وهي للأسف قد أثبتت صحّتها طيلة حياة جيلنا التعِس بالخيبات على المستويات الوطنية والقومية والدولية خلال ما يزيد على نصف قرن.

الانتخاباتُ النيابية كانت أملاً بإنهاء فترة التدهور والفضائح، للبدءِ، عبر زخم سياديّ تغييري، بالخروج من مستنقعات الفساد والفشل والتغوّل على الدولة إلى مشروعٍ جامع، يقوم على العمل على تطبيق اتفاق الطائف بما يؤمّن تحوّلاً سلميّاً ديمقراطيّاً لا يستفزّ أيّ فريق، كما لا يمكن لأيّ جهة رفضه، علانية على الأقلّ. وهو تصوّر يخرجنا من الطروحات التي تستقطب فئات وتستعدي أخرى، بما يبعدنا عن الأمل بأيّ حلّ.
 
 
الصيغة لتحقيق هذا التصوّر كانت جبهة عريضة تضمّ القوى السيادية من أحزاب وتجمّعات وأفراد إلى جانب قوى التغيير التي أفرزتها حركة 17 تشرين الأول 2019، حيث تشكّل لوائح مشتركة تخوض الانتخابات تحت عناوين واضحة وعامة.
 
 
الأحزاب السيادية أظهرت منذ البداية نزعة إقصائيّة فيما بينها، وحساسيات واعتبارات لا ترقى إلى مستوى يسمح بتبرير الفرقة واللوائح المتقابلة. الذاتية المفرطة للاعبين تظهر بعدهم عن هموم الناس وآمالهم بالخروج من الوضع المزري الذي وصل إليه البلد، والذي ينعكس على حياة كلّ بيت، وعلى وضع كافّة القطاعات.
 
 
يدهشنا نحن المواطنين العزّل من أيا نوايا فئوية ما تظهره قيادات موثوقة من ضيق في الرؤيا، في تمسّكها بفئويتها وسوء تقدير لأهمية الإنتخابات القادمة ومفصليتها، بما يعكس ضحالة في الالتزام بالمصلحة العامة لناخبيهم. وأحياناً يبدو أنّ تفشيل الآخر، من ضمن الصفّ الواحد، هدف لا يقلّ أهمية عن تحقيق النجاح الذاتي المحدود. وهذا يعيد إلى الأذهان ما كان يقال عن أنّ حركة 14 آذار قد فشّلتها أحزابها، في حين بقيت جماهيرها على الإيمان بالحرية والسيادة ودولة القانون. أخصامكم يحضّرون للانتخابات الرئاسية، وأنتم ماذا تعدّون؟
 
 
أمّا قوى التغيير، من جهة أخرى، فقد أظهرت تشتتًا فاضحًا ومواقف مخيّبة لمن تأمّل بهم خيرًا. ففي فترة التحضير للانتخابات كنا نسمع عن اجتماعات مكثفة، واتصالات واعدة بالوحدة، في وقت بقيت أسماء المرشحين والمرشحات سرّاً لفترة طويلة، لا يعني الناخبين المتحفزين للمشاركة والمساهمة في إنجاح ممثلي الثورة. وتدفّقت الأسماء فجأة في كلّ الدوائر بكثرة من المرشّحين لم تكن واعدة لمؤيديهم، "فالكترة مش لخير" كما يقال، ولا يبدو أنّ اللوائح ستكون موحّدة، كما أنّ مقاربة التحالفات، بالابتعاد عن السياديين أضعفت حظوظ الثوّار بشكل حاسم. فبين من يرفض التحالف مع الكتائب أو مع الشيوعيين لاعتبارات مبدئية، وبين من يجانب أيّ تعاون مع الأحزاب السيادية بحجّة" كلّن يعني كلّن"، وبين من لا يقبل بالتعرّض "للمقاومة" "ضاعت الطاسة" وتقلّصت الآمال. وقد أظهرت قوى التغيير في بعضٍ منها طفولة ثورية ومراهقة سياسية لا تغتفر. وهنا أيضاً يغيب الشعور بالمسؤولية وتطغى الأنانيات الفردية والنرجسية الفئوية. فالخلافات هي على "جلد الدب قبل صيده" ولن يتاح لهم صيده. فخلافاتكم يا سادة على نقاط نظرية لا تعني شيئاً في عالم الواقع، وضمن الاحتدام القائم على ساحة المواجهة. وأنانيات بعضكم هي المشكلة وليست الاختلافات السياسية، ويغيب عن بال الكثيرين منكم أنّكم مثّلتم الأمل للمواطن المقهور، والأمل في وطننا أصبح مادة نادرة أكثر من الطحين والبنزين والدواء، فهل تعون مدى سقطاتكم وآثارها في نشر الإحباط والقنوط؟
 
 
إنّ 15 أيار ليس نهــاية التاريخ. لكنّ بضع مئات من الأصوات لن يتخطّاها الكثيرون منكم، ستبقى تهمة ثابتة للقادم من الأيام.
 
 
تقترب الانتخابات وشكوك كثيرة تثار حول الاعتكاف لأكبر طائفة لبنانية عن المشاركة فيها، وهو ما تعوّل عليه جماعة الممانعة. وتواجه محاولات رصّ الصفوف وتحديد الخسائر من شخصيات مسؤولة فيها، تحديات جدية ومخططات تخريبية وفاء للزعيم المعتكف، وفي ذلك مواقف مرتبكة لا آفاق لها، إلّا الإضرار بالصفّ الوطني السيادي في مرحلة مصيرية، ولن تكون النتائج لهذا اللعب غير البريء أقلّ كارثية من نتائج الصفقة الرئاسية السيئة الذكر لعام 2016. إنّ الإرباكات الإقليميّة تجاه لبنان وغيره لا تبرّر ارتكابات محلية بحقّ الذات والوطن.
 
 
أسابيع قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات، فاللوائح قد تشكّلت أو قيد الإنجاز، والأخطاء التي وقعت في صفوف السياديين والتغييريين قد يمكن تعويض أثرها جزئياً بتوفير الظروف والإمكانات لأكبر مشاركة ممكنة في الاقتراع. فالتراخي والإحجام سيكبّد البلد تكاليف باهظة ومصيرية في السنوات المقبلة. فجماعة "الممانعة" يعدّون للنقلة التالية في زحفهم المستمرّ لتغيير هوية البلاد والهيمنة على مقدّراتها السياسية والاستراتيجية.
 
 
والوقت ليس للمزاجية والتردّد لأنّ النتائج تفوق بكارثيتها ما تتوقّعون.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم