الخميس - 04 تموز 2024

إعلان

"السيف أصدق أنباء من الكتب" يقول لنا سليماني في معرض الكتاب

المصدر: "النهار"
صورة سليماني في الجناح الإيراني في معرض الكتاب الدولي في بيروت (نبيل إسماعيل).
صورة سليماني في الجناح الإيراني في معرض الكتاب الدولي في بيروت (نبيل إسماعيل).
A+ A-
غسان صليبي 
 
وقّعتُ كتابي الجديد، "نساء يواجهنَ الظلم، حكايات وتأمّلات"، في معرض الكتاب العربي، بعد يوم واحد فقط من الإشكال الذي حصل نتيجة الاعتراض على وضع صورة ضخمة ومجسّمات للجنرال الإيراني قاسم سليماني في جناح بعض دور النشر المشاركة. أسباب الاعتراض تعدّدت: فالمعرض عربي، وليس فارسياً، وسليماني شخصية عسكرية وليست فكريّة، فضلاً عن اعتبار البعض أن البلاد واقعة تحت الاحتلال الإيراني، ممّا دفع شاباً إلى محاولة تحطيم صورة سليماني، هاتفاً "بيروت حرة حرة، إيران طلعي برا".  
 
أخطأ الذين اعتبروا صورة سليماني دخيلة على المعرض. فالأصحّ القول إن معرض الكتاب هو الدخيل على المساحة التي يخيّم عليها شبح سليماني، أي على لبنان كلّه، من خلال هيمنة "حزب الله"، التابع للنظام الإيرانيّ، على القرار السياسي في البلاد.
 
وقّعتُ إذًا كتابي في حضرة سليماني، وعلى بُعد أمتار من نظرته المشهورة، التي لا يُمكن أن تُوحي لك إلا بأنّه يتربّص بك شرّاً. أتفهّم نظرة سليماني لي، فقد كنت أوقّع كتاباً عن نضال النساء ضدّ الظلم، ومن أجل المساواة بين الجنسين، وإلى جانبي كتابان آخران نشرتهما خلال السنتين الأخيرتين، "انتفاضة ١٧ تشرين" و"زهرة في حائط". فكيف تريدون من سليماني ألا يغضب منّي، وأنا أروّج للمساواة بين المرأة والرجل، التي لا يعترف بها، أو أُعلي شأن الانتفاضة التي واجهت "حزب الله" والسلطة التي يحميها؟ كيف تريدونه ألا يعبس بوجهي، وأنا أتمسّك - بالرّغم من كل شيء - بالأمل الذي لا بدّ له من أن ينبت وينمو كزهرة في حائط؟ 
 
الكتاب لا يزال يقاوم: هكذا يجب أن ننظر إلى معرض الكتاب هذه السنة. مهما كثرت الانتقادات للنادي الثقافي العربي الذي ينظّم المعرض، وهي في معظمها محقّة، إلا أنّه أصاب باختلافه مع اتحاد الناشرين حول مسألة التوقيت، إذ كان هذا الأخير يفضّل تأجيل المعرض إلى شهر كانون الأول كما درجت العادة.
 
فالتوقيت هو عنصر أساسيّ في معركة الحرية في لبنان؛ الحريّة الثقافيّة تحديداً في ما يتعلّق بالمعرض. وقد أصبح من الواجب خوضها في كلّ يوم دون تأخير. فمن يضمن أنّ شبح الجنرال الإيراني سيَسمَح بتنظيم المعرض في آخر السنة، أو أنّ صورته لن توضع على مدخل المعرض وليس داخله في المرة المقبلة؟
هذا لا يعني أن دُور النشر التي تتبع سليماني غير مرحّب بها في المعرض، أو في أيّ معرض آخر. على العكس، إن مشاركة هذه الدُور في إطار أوسع، يجمع دوراً متعدّدة التوجّهات، هي اعتراف من قبلها بالتعدّد الفكريّ وبحريّة التعبير والكتابة، وفرصة بالنسبة إلى جمهورها وجمهور خصومها - على حدّ سواء - للاحتكاك بثقافات أخرى، وربّما لإدخال هذه الثقافات المتعدّدة، عبر الكتب، إلى بيوت جميع اللبنانيين.
 
مشكلة هذه الدُور أنّها عدائيّة وإقصائيّة، تشارك الدُور الأخرى في المعارض التي تنظم في المناطق المختلطة سياسياً، لكنها تستفزّها بصور مضخّمة لا هدف لها سوى التعالي والإيحاء بالقوّة والنفوذ، في حين أنّها لا تُشرك غيرها من الدُور في ما تنظّمه هي في مناطقها. هذه النزعة الإقصائيّة هي التي ولّدت ردّ الفعل على صورة سليماني، إذ إنّ أصحاب هذه النزعة كانوا قد اعترضوا قبل يوم من إشكال الصورة على إقامة حفلة موسيقيّة في المعرض، كانت تُنشد أغاني وطنيّة. معروف أن المعترضين يعتبرون  الموسيقى مخالفة للدّين، ويجب أن تُحرَّم.
 
أخطر ما تختزنه هذه الدُور، التي تسبح في فلك سليماني، أنّها تُشارك في معرض للكتاب فيما هي تُعلي شأن شخصيّة عسكريّة تؤمن بأن "السيف أصدق أنباءً من الكتب، في حدّه الحدّ بين الجد واللعب"، على قول الشاعر أبي تمام. لعلاقة السيف بالكتب تاريخ متواصل من الاغتيالات في لبنان في العقود الأخيرة، من حسين مروة ومهدي عامل إلى لقمان سليم مروراً بسمير قصير وغيرهم.
 
أمّا الذين يدافعون عن الحريّة بوجه السيف، فلا يزال معظمهم يتصرّف للأسف، كأنّهم لا يصدّقون ما يحصل على المستوى الثقافيّ أو ينكرونه، فيخلطون في مواجهتهم، وعلى عكس السيف، "بين الجدّ واللعب".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم