أنا من تعرفه السماء

حطّت يمامة بالقرب من رجلٍ كان تحت شجرة سنديان، ونظره شاخص نحو الفضاء، فاقتربت منه مرفرفة بجناحيها ثم سألته: مَن أنت؟
التفت نحوها، وتكلّم بصوت هادئ قائلاً: أنا مَن تعرفه السماء بقلبه. أستغرب كيف لا تعلمين من أنا، وأنت تجوبين دوماً فضاءها. أنا نسمة الحروف المنعشة في قلوب المظلومين في هذا العالم، تنهيدة المتعبين من ظلم هذا المجتمع. أنقياء القلوب والأرواح الطيّبة يمتلئون غبطة حينما نلتقي، لأن وطننا واحد؛ فنحن غرباء جميعاً عن هذه الدنيا وسكّانها. أنا البسمة على ثغر طفل حزين، وقوة في أعماق كلّ إنسان يدافع عن الإيمان والحبّ الطاهر.
أمي هي أم الخالق، أحمل نورها في فؤادي، وأنثره في الدروب المظلمة. أدافع عن الإنسان، عن المحبّة بقلمي، وأواجه كلّ شهوات الأرض ونزوات بشرها بنقاء روحي، بقوّة عقيدتي. أكتب أنفاس ربّي في قلب كلّ شخص، وأرفع راية القيم والأخلاق بوجه جيوش المادّة والشهوة كما أحارب قتلة الروح في أعماق كلّ إنسان.
في ما مضى كنت جسداً مرميّاً على رصيف هذا العالم تدوسه الأقدام، تمسح النزوات أحذيتها به من وحل اليأس والبؤس ووسخ الملذات، فجاء ملاك الروح كعاصفةٍ، فحملني إلى معبد الحياة، ثم سكن في أعماقي. تغلغل في عروقي، في دمي مبلسماً كلّ جراحي. نفخ في رئتي أنفاسه فتنشقّت قوة الطهارة، الحكمة والإيمان، ثمّ تفتّحت عيناي على شمس حبّه فولدت من جديد بروح لا تموت، وحفر في قلبي بنار روحه: "أنا هو وهو أنا".
هل علمت من أنا؟