الإثنين - 16 أيلول 2024
close menu

إعلان

عكس الاتجاه

المصدر: النهار - محمد حسين - سوريا
جواد المنتظر في محطة الياسمين بدأ يفرك أصابعه كمطحنة العدس القديمة
جواد المنتظر في محطة الياسمين بدأ يفرك أصابعه كمطحنة العدس القديمة
A+ A-
عكس الاتجاه:
السّاعة تقترب من خطوطِ الشّمس الأولى، السّماء المرصوفة ببعض الغيوم فوق ساعدها تبشر بنهارٍ حارٍ (هكذا كانت تقول الجدات).
جواد المنتظر في محطة الياسمين بدأ يفرك أصابعه كمطحنة العدس القديمة، وعلامات الشّرود والحيرة والقلق بدتْ واضحة على وجهه. أخرج هاتفه من جيبه، حدّق في الاسم جيداً، تذكّر اسمَ شقيقته تغريد التي عبرت النّهر ذات مساءٍ لمصافحةِ يدِ الوطنِ، ومنذ ذلك الحين لم تعدْ. قيل له إنّها في مقبرة الأرقام تحمل الرقم ألفاً وتسعمائة وثمانية وأربعين، لكنه ظل مسكوناً بلقائها.
كانت عقارب الدّقائق ثقيلةَ الحركة على روحه، كأن الوقت يتقدّم إلى الخلف.
جواد: سأجرب الاتصال...
‏ضرب الأرقام (الرّقم المطلوب مغلق أو خارج التّغطية)، ‏أصابه نوعٌ من الدّوار في المكان فكاد يقع أرضاً. استدرك الموقف بسرعة، فجلسَ في مكانه على حافة الرّصيف، ثمّ أخذَ جرعات متتالية من الأوكسجين. ارتاح قليلاً، ثم أخرج علبة التبغ من قميصه، لكنّها كانت فارغة. لقد أحرقها كاملة في مدة قصيرةٍ.
تقدّم إلى رجل طاعن في السّنِّ كان يقف في أقصى زاوية من المحطة، ويبدو أنّه ينتظر مركبة من الجنوب:
‏مرحباً يا حاجّ.
‏الحاج: أهلاً وسهلاً يا ولدي.
جواد: أنا أنتظر المركبة الآتية من الشّمال. لقد تأخّرت كثيراً عن موعدها. هي تقف هنا في الجهة اليسرى، أليسَ كذلك؟
الحاج: لقد انتقلت إلى الجهة اليمنى يا ولدي، وأنا أنتظر مركبة للذهاب إلى الجنوب منذ عشرات السّنين، لكن الطريق لا تزال مغلقة.
جواد: كيف؟! الطريق إلى الجنوب مفتوحة.
(يطلق الحاج ابتسامة عريضة) أنا يا ولدي أتحدّث عن الجنوب قبل "سايكس بيكو". يبدو أنّكم تقدّسون الحواجز المصطنعة. اجلس يا ولدي واسمع. في هذا الزمن كلّ الأشياء أصبحت تتغيّر بسرعة، فأصبح الصّديق جهراً صديقاً، وفي الخفاء عدواً، وأمسى الحبّ سلعة تنتهي صلاحيتها مثل علبة الدّواء؛ وأصبحت قيمة الوطن مثار جدال.
‏قلْ لي يا حاج ‏كيف أرتشف بقايا هذياني المثخن بالصدمات؟
كيف أمضغ وجبات الزّمن الفاسدة؟
‏الحاج: اكتبْ سطراً من حلمكَ فوق جدار الضوء الذي سيُنير جسد الليل...


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم