لبنان الحلم...

في ظل الأزمات الراهنة التي تعصف بلبنان، ونتيجةً لتداعيات انفجار مرفأ بيروت، لم يعد لبنان قطعة من السماء، فأُخرج من دائرة الرحمة الإلهية وأُدخلَ في متاهة المستقبل، تلك التي لم يعرف مصيرها حتى اليوم.
لطالما كان المجتمع اللبناني موصوف بالوحدة الوطنية والعيش المشترك، وكان مثالاً لتجسيد هذا الفعل على أرض الواقع، فقليلةٌ البلدات الللبنانية التي لا يجمع فيها تنوّع دينيّ بين أبنائها، فتجمع بين قبّة المسجد وصليب الكنيسة، مخلدةً أسمى صور الوحدة الوطنية.
جميع هذه الصور الوصفية أضحت من ذكريات الماضي، فللسياسة اليوم رأيٌ آخر. ونتيجةً للتلاعب السياسي المستمر من قبل المسؤولين، أصبح لبنان ملعباً للصراعات الحزبية والتدخلات الدولية والمصالح الشخصية، فتناسى السياسيون أحلام الشباب ضاربين بها عرض الحائط.
بالنسبة لنا نحن جيل الشباب، أحلامنا ليست خيالية؛ هي في الأساس أقلّ حقوقنا المدنية من دولتنا الكريمة، لكنّها خضعت لعملية الحصحصة السياسية.
الشباب اللبناني اليوم يبحث عن فرص عمل واستقرار في الخارج، وأهمّ أسباب هذه الهجرة طبعاً الانهيار الاقتصادي في البلاد، بالإضافة إلى التأخير الحاصل في تشكيل حكومة يكون دورها الأساسيّ الإسراع في تقديم طروحات لإصلاح هذا الانهيار.
كذلك أدّت هذه التداعيات إلى تفشّي خطاب الكراهية وظاهرة المخدرات وانتشار الجريمة وارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية إلى جانب تفاقم البطالة.
لذا يبقى السؤال الأهمّ: هل لبنان اليوم هو البلد الذي نحلم أن نبني فيه مستقبلنا؟
نحلم بوطنٍ مشبعٍ بالكرامة، لا وطن يقف أبناؤه في طوابيرِ ذلٍ للحصول على رغيف خبز.
نحلم بوطنٍ نعيش فيه دون أن يطاردنا شبح الموت في كل مرة نخرج فيها من منازلنا، خوفاً من الرصاص الطائش الناتج عن السلاح المتفلت.
نحلم بلبنان الذي ورد في مقدمة الدستور" وطن سیّد حرّ مستقلّ، وطن نهائيّ لجمیع أبنائه"، ولا نحلم بوطنٍ استقلاله الرسميّ لم يتحقق بعد، ما دام يرتبط بقرارات خارجية، تحدّد مسار سياسته الداخلية ومصير شعبه.
نحلم بوطنٍ أقلّ ما يُمكن أن يكون القضاء فيه نزيهاً بعيداً من التدخلات السياسية، يحكم بالعدل لمصلحة الشعب فقط.
نحلم بوطن شعاره الأساسي هو فصل الدين عن الدولة، فلا تجرؤ عندها أي جهة دينية على حماية مجرم، أو التدخّل في سير العمليّة السياسيّة على مبدأ حماية مقعد الطائفة من الضياع.
نحلم بوطن الوظائف العامة فيه لا تخضع لمبدأ المحاصصة الطائفية والسياسية؛ وهذا طبعاً ما نُصَ عليه في المادة 12 من الدستور اللبناني : "لكلّ لبنانيّ الحقّ في تولّي الوظائف العامة. لا میزة لأحد على الآخر إلا من حیث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ینصّ علیها".
لبنان الذي نحلم به لا يشبه لبنان اليوم. لبنان الذي نريده هو الذي تغنّى بجماله شعراء وأدباء العالم. لبنان الذي نريده عاصمته الحرة المضيئة بيروت التي لا تشبه تلك التي أطفأها انفجار المرفأ. وليحيا لبنان يجب أن تحيا بيروت؛ لذا لا بدّ من الاستشهاد بقصيدة "يا ست الدنيا يا بيروت" للشاعر نزار قباني:
" قومي من نومكِ..
يا سلطانة، يا نوّارة، يا قنديلاً مشتعلاً في القلب..
قومي كي يبقى العالم يا بيروت..
ونبقى نحن... ويبقى الحب.."