النهار

حيوان سياسي يشاهد المونديال
المصدر: النهار - نبيل مملوك
حيوان سياسي يشاهد المونديال
قد يكون الدخول إلى مواقع التواصل الإجتماعيّ في الفترة الممتدة بين بداية فعاليّات كأس العالم حتّى ختامها محرّمًا أو مكروهًا بالنسبة للإنطوائيين واللامبالين
A+   A-
سأنسى أنّي مشجّع أصيل للمنتخب الفرنسي الذي يشبهني وأشبهه بالكثير وتطرفي الكروي الكلاسيكي لهذا المنتخب، لنذهب معًا إلى الحالة " لموندياليّة العامّة"، الحالة الفوضويّة التي أذابت تواجد النخبة ولم تترك لهم ترف التوهم...انطلاقًا من تعريف أرسطو الشهير "الإنسان هو حيوان سياسي" تمشي الكائنات التي خلقت بأحسن تقويم نحو الهدف التي حددتها غرائزهم...ففي أجواء المونديال تنصهر الجماهير وتتكتّل وتذوب الفوارق الطبقيّة لتتبدّد مخاوف الأفراد، وكل هذه الخلاصات القديمة- المستدامة أثبتها العرب في النسخ المنصرمة للمونديالات ويثبتها اليوم من خلال ثلاث منظورات سوسيولوجيّة-نفسيّة على الأقل... من هنا سنبدأ، من الحالات الثلاث...التي أثبتت
كيف تعاطينا كحيوانات سياسيّة مع بداية فعاليّات هذا الحدث الكروي.
أوّلاً: وسائل التواصل الإجتماعي :" بيّي أقوى بيّك "
قد يكون الدخول إلى مواقع التواصل الإجتماعيّ في الفترة الممتدة بين بداية فعاليّات كأس العالم حتّى ختامها محرّمًا أو مكروهًا بالنسبة للإنطوائيين واللامبالين باللعبة التي تشغل بال البشر منذ عقود، وقد تكون فرصة للإنقضاض وتصفية الحسابات أو استخدام ألعاب الخفّة التي في أغلب الأحيان -وخصوصًا في الحوض المشرقي- سرعان ما تتحوّل إلى قنابل موقوتة وكي لا ندور طويلا في الحلقات الفضفاضة، فإن مهرجان المونديال الذي أعلن القطريون قيادة وشعبًا من خلاله عن بدء فعاليّات أضخم وأهم حدث كوني قد أتى مبهرًا وقاسيًا على القلوب الملتهبة بأيديولوجيّاتها السوداء ...فكارهو سياسات قطر لأسباب تتعلّق بسياسات القيادة في سوريا والشرق الأوسط وتجاه اسرائيل وصداقتها الإستراتجيّة مع الولايات المتّحدة ( على حدّ تعبير الأخيرة ) قسمت المتعاركين إلى فئتين :الأولى التي سلّمت بأن ال22 مليار دولار أو ال 8 ميليار دولار أو مهما كان الرقم قد أنفق باستحقاق وبتخطيط ممتاز ومن ثم أغلق أفراد هذه الفئة التلفاز دون متابعة ما سيلقاه المنتخب العنّابي المستضيف من نكبات أمام مضيفه اللاتينيّ...فئّة فضّلت أن تمتّع نظرها بالسحر القطري وتأهب الملاعب لاستقبال العالمين العربي والغربي...وعادت الى بيت واقعها الهشّ المتجرّد من أدنى مقومات العيش وعن الفئة الثانية، الأخطر على مجتمعاتنا من ناحية تكاثر أفرادها وتضخم آثارها النفسيّة فهي التي شاهدت الإفتتاح وسكتت حين عجزت عن الاستهزاء بدول " الجمال وبول البعير والصندل" المفردات التي تستخدمها "لتنقض " انسانيتها وتتمادى بحالة الإنكار ازاء التطور الذي فرضه الخليج العربي ككل على بقعته الجغرافيّة...وقد تكون خسارة قطر القاسية فرصة ذهبيّة لانقضاض هؤلاء عبر بوستات فايسبوكيّة مفرغة من أي معالجة كرويّة دقيقة تكون ندًّا لمعالجات المحللين الكرويين ...مقاربات رأسماليّة تنم عن جوع جماهيري للمال، ولهفة سوبر رهيبة لنثر الكراهية والعدوانيّة وبعض أفراد هذه الفئة ذهب بعيدًا ومنهم من نظّر إزاء التبذير من منطلقات دينية....بين مع وضد "لا بيي أقوى ولا بيّك أقوى ".
وتبقى بصمة قطر الإحتفائيّة في سجل العالم واضحة ويبقى المنتخب القروي على قارعة الحلول...
إذن ذابت النخبة ومرّ الحدث بمرور الوقت ...مرّ.
ثانيًا : إيران الثورة والإستبداد الكروي
بعد أن أوردت ال أ.ف.ب خبرًا مفاده أن عناصر المنتخب الإيراني امتنعوا عن اداء النشيد الوطني دعمًا للتحركات الشعبيّة في بلادهم...تغيرت المعادلة لكن الحميّة العربيّة بقيت لدي ولدى كثيرين وتلذذنا بشكل أبيقوريّ طويل الأمد بخسارة منتخب الخيّام والتبريزي وجلال الدين الرومي أمام حداثة كيتس الرومنسي وت.س.إيليوت التصويري... ولأن ما يقوم به الإيرانيون ينطلق من مبنى إنسانيّ نسويّ
انكفأ المحور المؤيد للفظة إيران عن القيام بأي مطالعات عزائيّة تراجيديّة كما حدث في مونديال روسيا 2018 ... لكن هذا الحدث أربك العقل العربي على الأرجح ...فالخوف من التعليق على مباراة منتخب غير مستقرّة هويّته كلّما هبّ أي تحرّك أو انتفاضة أو ردّ فعل ...والنقمة على كامل بلاد فارس بسبب العداء لنظام أو منظومة أيديولوجيّة تحكم باسم الدين قبل الدولة يضعنا أمام هذا الإنكماش الإنفعالي الذي ترجم على وسائل التواصل... المنتخب الإيراني وضع الجميع أمام ثورة تحمل استبدادًا كرويًا...ثورة من خلال شعارات رفعت على الاستاد وسلوك مارسه أفراد المنتخب عند بدء أداء نشيد بلادهم...واستبداد عبر التحكم بمحرّكات ابداء المواقف كون النظام ما زال قويًّا والشعب لم يصنع "ليبراليته" حتّى الآن...فاحتار المتنازعون على أي مرمة يركزون ...وفي أي شباك يركلون الكرات.
ثالثًا : السعوديّة ونظريّة المال والسلطة مجدّدًا
من يشاهد المنتخب السعودي في مونديال 2018 وأداءه الكارثي أمام البلد المضيف آنذاك روسيا...يعرف أن أربع سنوات كانت كافية لينهض المنتخب من هزيمته...ولعلّ الفيديو المتداول عبر وسائل التواصل الإجتماعي لولي عهد المملكة العربيّة السعوديّة سمّو الأمير محمد بن سلمان
وحديثه مع أفراد المنتخب بروح شبابيّة عالية وواقعيّة يثبت أن سياسة التعاطي مع أفراد المنتخب قد تغيّرت والملعب القطري أثبت ما خلصنا اليه من تحوّل تكتيكيّ...فالمنتخب الأخضر الذي تلقّى في بداية الأمر الهدف الأول لعب بواقعيّة بعيدًا من أي ردود فعل أو ضغوطات (وهذا ما أوصاه وليّ العهد السعودي لأفراد المنتخب) متناسيًا الهدف المستحق على مرماهم...ممّا قلب الطاولة أمام الشطر الثاني من المباراة وتفوق منتخب الحرمين الشريفين وشكّل فوزه بحسب رئيس الفيفا صدمة تاريخيّة في كأس العالم.
معظم "الإفتراضيين" تناسوا السياسة ومواقفهم وعادوا الى عروبتهم وقوميّتهم العربيّة واحتفوا بفوز السعوديّة المستحقّ إلا فئة تكاد تعدم أصرت على التغريد بشذوذ خارج السرب فاعتبر أحد المحللين السياسيين (بتصرف): أن تعويل العقل العربي على السمو الكروي يدل على أنه مفرغ... عبارات رغم قلّة ممثليها إلا أنّها تثبت أن الغريزة تعيدنا الى واقعنا وأنّ التفرّد برؤيتنا إلى العالم ليس ممكنًا بفعل الصراعات وتغييب الطبقة الثقافيّة...
إذن كحيوانات سياسيّة علينا الإعتراف أنّ البهجة والحزن صارت موضة إنسانيّة قديمة وأن ثقافتي الفعل وردّة الفعل باتت تتشكل بناء على سياسات القادة الماليّة والسياسيّة إقليميًّا وعربيًّا...وإذا كان علي حرب قد أطّر كتابه أوهام النخبة أو نقد المثقف (المركز الثقافي العربي-ط.4. 2008 ) بقاعدة مفادها : ليس المطلوب معرفة ما العمل بل ماذا يحدث...فإن العرب على مجمل البقع يثورون على التمركز العقلي logocentrime دون أن يجدوا البديل لتفكيكاتهم وتفككهم الغرائزيّ...سنبقى حيوانات سياسيّة وسنشاهد المونديال كل أربع سنوات كمستعمَرين لا يحسنون سوى الصراخ، البكاء أو التصفيق...






الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium