مدرسة المناخ في خدمة الصحافة المناخيّة

في العصر الحالي، تكثر المبادرات والقضايا المتعلّقة بتغيّر المناخ. وكانت "مدرسة المناخ" التي أطلقتها الصحافية المناخية رحمة ضياء، في يوليو/ تمّوز عام ٢٠٢١، من المبادرات المناخية التي لا تسلّط الضوء فقط على هذه القضايا، بل وأيضاً هي منصة مرجعية تساهم في مدّ المتطوعين والصحافيين بأدوات خاصة بالقضايا المناخية باللغة العربية.
"شهيق أسود"، تحقيق استقصائيّ أعدّته رحمة ضياء، يتحدّث عن مصانع الإسمنت التي تستخدم الفحم في الصناعة في مصر وتأثيره على السكّان، كان الدافع الرئيسي وراء مبادرة "مدرسة المناخ"، إذ "اكتشفتُ بأنّ الناس ليس لديهم نفور من صحافة المناخ، وإنّما الطريقة التي يتمّ تقديمها بها" كما تقول رحمة. لذلك قرّرت العمل من خلال المدرسة، على تقديم المواد الخاصة بقضايا المناخ، بطريقة سهلة ومبسّطة تصل إلى الجميع وتجذبهم إلى متابعة الأخبار.
كما تسعى هذه المبادرة إلى توفير المواد باللغة العربية، الفرص على المستوى المحلّي والإقليمي لصحافيّي المناخ، تقديم تدريبات متقدّمة عن تغيّر المناخ، وسدّ الفجوات الموجودة في التدريبات الصحافية باللغة العربية. إذ أنّ ذلك غير متاح كثيراً "وحتى الدخول في مسابقات ومنح ومؤتمرات كان على مستوى دولي وهو ما يصعّب المنافسة، لأنك تحتاج إلى مهارات أكثر وخلفية أوسع ولغة تواصل أجنبية". إنّ المجهود الذي بذلته رحمة لبناء مهاراتها كصحافية مناخية، دفعها للتفكير: لماذا لا يكون هناك صحافة مناخ على مستوى المنطقة العربية، وتدريبات وبيانات بالعربية؟
من مجموعة على "فايسبوك" انضمّ إليها العديد من الصحافيين، المؤسسات الصحافية، المدرّبين والمتطوعين، إلى عمل مؤسّسي حقيقي. أمّا النقطة الفاصلة كانت الانضمام إلى برنامج مركز التوجيه، التابع للمبادرات الإعلامية الناشئة. وهذا البرنامج تابع لشبكة الصحافيين الدوليين والمركز الدولي للصحافيين. واليوم تضمّ مدرسة المناخ حوالي ١٧ شخصاً من ٧ بلاد عربية مختلفة، ما بين باحثين وصحافيين وأكاديميين ومدربين متطوّعين واختصاصيين في العلاقات العامة و"السوشيل ميديا". يعمل الجميع على تجهيز الأفكار، الفعاليات، تدريبات وورش تدريبية عن صحافة المناخ، تقديم استشارات إعلامية للمشاريع التي تُعنى بالمناخ، وتنظيم مسابقات تحفيزية للطلبة والصحافيين، "لأنّنا نحاول تشجيع طلبة الإعلام في العمل في الصحافة المناخية".
خلال الدورات، يتمّ الدمج بين أشكال مختلفة من الصحافة: الاستقصاء، صحافة الحلول المناخية، أدوات التمثيل البصري للبيانات، وأدوات "غوغل" المصادر المفتوحة الخاصة بصحافة البيئة. كما يتمّ ابتكار طرق جديدة في التدريب منها الألعاب كما هي الحال في آخر ورشة تدريبية تمّ تقديمها بعنوان "صحافة المناخ": حضر حوالي ٨٠ صحافياً من أكثر من ٨ بلدان عربية. وبالإضافة إلى التحفيز والتفاعل الذي يقدّمه اللعب، "كان الهدف من اعتماد التدريب من خلال الألعاب والأسئلة والأجوبة، عدم الشعور بالملل من الإصغاء فقط إلى ضخّ المعلومات والبيانات، وتثبت المعلومات في دماغهم. كما أنّ أسلوب التدريب بالألعاب ينعكس إيجاباً في طريقة ابتكار الصحافي للمحتوى الخاص به، ويكون أقرب إلى الناس وحياتهم اليومية من كافة المجالات الحياتية: البيئة والاقتصاد والفن والرياضة... ويقدّم بقوالب متنوعة: تقارير، فيديو، بودكاست وتحقيقات عن المناخ وتقارير مع بيانات.
هذا ويتمّ التركيز على صحافة الحلول، لأنّ الدراسات تقول بأنّ الناس، مع كثرة التعرّض إلى القصص والأخبار السلبية عن تغيّر المناخ كالكوارث والوفيات والضحايا، تبدأ الشعور بالنفور من تلقّي أخبار حول المناخ. وهنا أهمية التركيز على الحلول المناخية المتاحة، وسبل التغيير الممكنة، وكيف يمكن للناس التغيير من خلال الحلول والتقنيات الموجودة.
من هنا دور الصحافة والإعلام بشكل عام، ودور صحافة المناخ بشكل خاصّ، في التأثير بالجمهور ونشر الوعي حول قضايا المجتمع ومنها البيئة والمناخ. لذا من المهمّ متابعة احتياجات الجمهور، وتقديم المحتوى المناسب بالطريقة الأمثل. ولتحقيق ذلك، هناك حاجة دوماً إلى خلق فرص تدريب مبتكرة للصحافيين، لإنتاج محتوى مؤثّر ؛ تأمين الأدوات اللازمة لتقديم قصّة مناخية ممتعة ومؤثرة وعميقة بشكل إنساني، وتصوير مبهر للناس؛ إتاحة فرص للنشر، لأنّ عدد المنصّات المهتمّة بقصص المناخ محدود جداً ؛ كما هناك حاجة للدعم الماليّ، وأدوات تحفيز كالمؤتمرات والمسابقات، وهو ما تحاول تأمينه مدرسة المناخ من خلال "السعي لتأسيس شركة مجتمعية مرتبطة بالمبادرة، لنتمكّن من القيام بمشاريع ونقدّم خدمات لجهات مختلفة تحاول تحقيق الاستدامة"، كما تشير رحمة ضياء.