الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

"لماذا تُفكِّرون بالشَرِّ في قلُوبِكم"؟

المصدر: النهار - الاب ايلي قنبر
 يَرتبط تغيُّرُ مَشاعرِ الفَرد بِتَغيُّر أفكارِه.
يَرتبط تغيُّرُ مَشاعرِ الفَرد بِتَغيُّر أفكارِه.
A+ A-
1. يَرتبط تغيُّرُ مَشاعرِ الفَرد بِتَغيُّر أفكارِه.
لا يسَعُ الإنسانَ السَوِيّ والمُتَّزِن عاطِفيًّا إلَّا أن يتَحنَّن على أخٍ(تٍ) له في الإنسانيّة مُنزعِج من أمرٍ ما أو مُنطرِح كمَن لا راعيَ له، ذلكَ أنَّ "ٱلرَّحمَةَ تُبنى إِلى ٱلأَبَد"(مزمور ). لِذا نجِد أنَّ يسوعَ "لَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا"(متّى 9: 36). وكان اهتمامه بالمُستَضعَفين يُثيرُ السُلُطات الدينيّة اليَهوديّة، التي لم تَترُك مُناسَبة لِلقَبض والقضاء عليه إلَّا وفعلَت. وظفَرت به في آخِر المُطاف. غالبًا ما نرى أنّه حينَ يُبادِر إنسانٌ إلى مُسانَدةِ مُستَضعَفٍ، يَعترِض بعضُهم لألفِ سبَبٍ وسبَب. هناك أُناس لا يَهنـأون إذا رأوا غيرهم مُرتاحًا أو يَنال دَعمًا في ضيقِه. لِمَ؟
في مُناسَباتٍ عِدَّة سألَ يسوع الناصِريّ الفَرِّيسيِّين والكتبَة: "لِماذا تُفَكِّرونَ بِٱلشَّرِّ في قُلوبِكُم ؟ ... وَلَكِن لِتَعلَموا أَنَّ ٱبنَ ٱلبَشَرِ لَهُ سُلطانٌ عَلى ٱلأَرضِ أَن يَغفِرَ ٱلخَطايا" ... أن يَمنحَ المُستَضعَفَ طاقةً ليَنهضَ من كَبْوَتِه. فعَل ما فعلَه دون تردُّد في كلِّ حينٍ.
يقول الفَيلَسوف الإغريقيّ إپيكتِتُوس إنَّ "الناسَ لا تُحرِّكُهم الأشياء، بل يُحرِّكهم مَنظورُهم لِلأَشياء". الأمر الذي لفَت يسوع الكتَبة والفَرِّيسيِّين إليه مِرارًا بقَوله لهُم: "لِماذا تُفَكِّرونَ بِٱلشَّرِّ في قُلوبِكُم؟" نعَم، "تَفكيرُ الفَرد هو سَببُ الانفِعال". وبالتالي، يَرتبط تغيُّرُ مَشاعرِ الفَرد بِتَغيُّر أفكارِه. الأمرُ الذي أثنَى عليه شِكْسْپِير حيث قال: "ليسَ هُناكَ شَيءٌ جيِّد وشَيءٌ سَيِّئ، إنّما هوَ التَفكيرُ ما يَجعلُه كذلِك".: "فَلَمّا رَأَتِ ٱلجُموعُ (ما قامَ بِه يسوع[ "الشاهِد الأمين" (رؤيا 1: 5 و 3: 14)]) تَعَجَّبوا وَمَجَّدوا ٱللهَ ٱلَّذي أَعطى ٱلنّاسَ سُلطانًا كَهَذا"[ يوحنّا 14: 12]. بالطَبع، يُؤمِن الناس دَومًا بالشهُود أكثرَ مِنه بالمُعلِّمين المَزعومين، وبالاختبار أكثرَ مِنه بالعَقيدة المُحنَّطة، وبالحَياة والأعمال أكثرَ مِنه بالنظَريّات أو الإيديُولوجِيّات المُؤَلْيِنَة[ التي تُغَرِّبُه عن ذاته أو الـaliénation]
إذًا، "تتأثَّر استِجاباتُنا السلُوكيّة والوجدانيّة كثيرًا بِمَعارفنا(أفكارنا)، التي تُحدِّد الكَيفِيّة التي نَستقبِل بها الأشياء ونُدرِكُها"، حَسبَما يُفيدُنا هُوفْمان[ Murad Hofmann ديپلوماسيّ وكاتب ومُحامٍ ألمانيّ (1930 - 2020)]. الذي يُضيف:" أنّنا نَشعُر بالغضَب أو الحُزن عِندما يكونُ لدَينا مُبرِّر لِذلِك. أي ليسَ المَوقِفُ في حَدِّ ذاتهِ ولكِن مُدرَكاتُنا وتَوَقّعاتُنا وتَفسيراتُنا (التَقيِيم المَعرِفِيّ) للمَوقف هي المَسؤولةُ عن وُجدانيّاتِنا".
ولـ"الخُروج"[ الفِصح أو الانتقال من العُبوديّة إلى الحُرِّيَّة.] من المأزق الذي نحنُ فيه، علينا أن نَبدأ بمُلاحَظة ورَصْد ومُعانَقة الأحداث، فنَكون في عَلاقةٍ مَباشرةٍ معَ النَفس كَسِياق، ما يُساعِد أن أَقبَل تفاعُلاتي الحاضرةـ ثمّ أَتّخذ حالًا تَوجُّهًا يتّفِق مع توجيهاتي القِيَمِيّة، وأن أَفعل وأُبادِر ولا أَستَغرِق في التَفكير التَجريديّ.
2. "ﭐلْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ".
مَن يكون الفاعِل(ة) الذي/التي يقوم بالحَصاد؟
الفاعل(ة) هو خاصَّةُ الربّ، أي شريكُه(ته) في شرِكةِ زواجٍ تَجمعُهما أبدًا. عَن هذا تكلَّم يوحنّا كارباثيوس[ راهب وأسقف، رسالة إلى رُهبان الهِند .]، الذي عاشَ في القرن السابع: "لم يَجعَلْنا اللهُ لِلغَضب"، بَل لِلتَبنّي "لِنَحْيا معًا مُتَّحِدينَ به"[ 1تسالونيكيّ 5: 9 – 10 ]. مُضيفًا: "أسَاهِرين كُنّا في الفضيلة أم نائمين في بُؤسٍ ما تَحمِلُنا إليه ظُروفٌ مُعَيّنة بشَكلٍ طبيعيّ، مُوجّهين أنظارنا إليه ... ولا نتَنشّق سِواه".
وما الذي هوَ مَدعُوٌّ إلى فِعلِه؟
أن يُعلِن:" إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوت السَّمَاوَاتِ"! أنّ اللهَ يسكُن في وسَط أحبّائه ويَرعى شُؤونَهم ويَشفي الكَسير مادِّيًّا ورُوحِيًا ونَفسيًّا، فيكون الكَوكَب مَطرَحًا فيه يَعمَل الناس مشيئتَه -بِهُدوءٍ وسلامٍ وتواضعٍ- "كَما في السماء، كذلِك على الأرض". لم يكُن الرسُل "كامِلين" بل مَحدودين إلى حدِّ الخُطورة. دُعُوا إلى الكمال على غرارِ أبيهِم السماويّ، فحَوَّلوا العالم والتاريخ بالرغم من قلَّة عددِهم. كانوا "الخَميرة في عَجين العالم".
أمامَ شعبي وناسِ الكَوكَب، امامَ جُموعٍ مُنهَكة وحائرة ويائسة، "مُنْزَعِجة وَمُنْطَرِحِة كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا"، هل يستطيع الواحد(ة) منّا الاالتمتُّع بنَظرةٍ إيجابيّة ثابتة ومَتينة بِدُون أن يكون ساذَجًا؟
هل بِوُسعي تحديد مَوقِعي ودَوري؟ رُبَّما كنتُ لا أُدرك إلى أينَ يذهَب بلَدي والكَوكَب المُتعرِّض لمُتغيِّرات جمَّة تأتي بسرعةٍ فَرْط صَوتيّة ! التحدِّيَّات لا تُعَدّ: خَوفٌ ورُعبٌ من المَصير القاتِم؛ إحترامُ حقوق الإنسان؛ احترام الطبيعة والمُناخ؛ التوازُن السياسيّ؛ الأولاد البِلَامدرسة؛ الأُمِّيُّون؛ الَّلاجئون والنازحون؛ البِلامَسكن؛ الجَياع المَحرومون من الغذاء والمَرضى الذين يُمَنُّون النفسَ بدواء لا يأتيهم لأنّ جشَع كارتيلات الدواء والغذاء لا يقِف عند حدّ؛ الجُنوح إلى التسلُّح النَوَوِيّ؛ ...إلَخ
ما هي رسالتُنا نحنُ أهل البلد، أهل لبنان اليوم؟
حينَ يعرف كلٌّ منّا ماذا يُريد من هذه الحياة، ويُبَلوِرُه ويتقاسمُه مع شُركائه في المُواطَنة، ومعهُم يَطرح الرؤيا للبنان والثوابت والمُختلَف عليه عن طريق الحِوار الصادق والشفّاف، يصِل جميعُنا غللا بَرِّ الأمان وطنيًّا وأُمَمِيًّا.
كان يسوع مُحِبًّا وعطُوفًا ورَحومًا ومُتضامِنًا مع أحبّته الذين عاش معهم طيلة سَنَواتٍ ثلاث، قابلًا إيّاهم كما هُم، واثقًا من قدرتِهم على القيام بأعمالٍ عظيمة كالتي قام هوَ بها، ولا بل أعظم (يوحنّا 14: 12)، بَدءًا من أهل البيت وُصولًا إلى أقاصي الأرض. الذين دعاهُم كانوا خطأة وعشَّارين وأُمِّيِّين لا يَمتلِكون مالًا أو مَهاراتٍ قياديّة أو سَطوةً اجتماعيّة.
هل أُغامِر، هل أكون فاعلًا(ةً) من أجل حياةٍ وفيرة لِأخواتي ولِإخوتي؟
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم