جيل "زد"... نهاية الأبجدية أم بداية التغيير؟

قد لا يعرف العديد من القراء عن جيل زد ("z"). نحن الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2012. المشكلة تبدأ في التسمية تيمناً بالحرف الأخير من الأبجدية، فهل نحن فعلاً في أسفل أولويات الأجيال السابقة؟ أم هل التسمية جاءت لتختم عصر الأبجدية الحالية لنفتح معها عهداً بشرياً جديداً يلائم طموحاتنا؟
يعيش جيلنا فترة محورية في تاريخ الإنسانية، إذ علينا مواجهة تحديات مصيرية أكثرها موروث، منها الحروب والمخاطر الوجودية المتأتية من الذكاء الاصطناعي والحد من انتشار الأسلحة النووية، والفيروسات المصممة، وغيرها. في الوقت نفسه، نشهد تغيرات في المشهد السياسي (أهمها ظهور ثنائيات جديدة) والاجتماعي وسط الصراع الإيديولوجي والإثني والديني. في ظل كل ذلك، المفارقة أن الجيل "زد" يعاني من بطء التواصل في ما بين مكوناته في عهد الاتصال السريع بين جميع أنحاء العالم، حيث تتعدد مشاكله تبعاً للبقعة الجغرافية بالرغم من تشارك الفئة العمرية، ويعاني ضياع السبيل وسط وفرة المعرفة المتراكمة كمياً في عصر المعلومات، حيث إن هذه الوفرة قد تكون أحد أسباب التشتت والقلق الزائد.
رغم أننا الأكثر تعليماً، فقد نكون في طريقنا لأن نكون أول جيل أسوأ حالاً من آبائه لجهة الإرث الثقيل بيئياً واقتصادياً، حيث نواجه تلوثاً أرضياً هو الأعلى في التاريخ واقتصادات مترنحة لا تؤمّن الاستقرار. أمام التحديات التي نواجهها، لا يبدو أن الطبقة السياسية مهتمة بمستقبلنا بالقدر اللازم، حيث تنصب اهتماماتها على حفظ مصالحها وضمان استمراريتها في حين تفشل في حماية القيم التي يفترض أن تدافع عنها.
لقد بنينا معظم أحلامنا على القيم المجسدة في إعلانات ومواثيق الأمم المتحدة، بينما الأخيرة تكتفي بالتنديد والتذكير البارد المكرر الذي لا ينصر مظلوماً ولا يردع ظالماً في أغلب الأوقات. حلمنا بوعد الديموقراطية، إلا أننا نشعر بأن أصواتنا غير مسموعة، وبأننا جردنا من كل وسيلة لاختيار مصائرنا، فنحن محكومون بأنظمة ملزمة على كافة الصعد، تبدأ بالأنظمة السياسية، ولا تنتهي بالنظم الاجتماعية والاقتصادية. وبينما نحارب من أجل قضايانا، ينتهي بنا المطاف في أغلب الأحيان على سفوح جبال هذه الأنظمة.
ما يزيد الطين بلّة هو تدفق المعلومات السريع والأخبار الدراماتيكية التي تبقينا في حالة استنفار على مواقع التواصل الاجتماعي وتسوّق لهيمنة ذهنية "نحن ضد الفريق الآخر" وتضخم الآراء الأكثر تطرفاً والخلافات السامة، ما يدمر النسيج الاجتماعي وديمقراطيتنا.
يفتقد عدد متزايد من جيلنا الأمل بسبب كل هذه المخاطر التي عددتها. يشعرون بأن الرياح تجري بما لا تشتهي سفنهم مهما فعلوا، وأن العالم على مسار الدمار ولا يمكن لدورهم الضئيل إنقاذه فيستسلمون. أنا طبعاً لا أقول إن العالم لا يواجه مشاكل خطيرة، لكن ربما هذا التشاؤم مبالغ فيه. العديد من الشعوب كانت تعتقد أن العالم على وشك الانتهاء لكن ثبت خطؤها، ولم ينتهِ العالم.
هذه النهاية المزعومة "المؤجلة حالياً" قابلة للدحض، لا بل نحن جيل "آخر الأبجدية" سنصنع تاريخ الإنسانية وليس العكس. يا أعزائي جيل "زد"، أعلم أن الحياة تبدو دون أمل أحياناً؛ نعم، الديموقراطية تدمر نفسها، نعم العالم يعاني من مشاكل هائلة، نعم "الوضع سيئ"، لكن هذا لا يعني أنه يجب الاستسلام. المحاربة من أجل قيمنا واجب تجاه المستقبل ووفاءً لنضال الأجيال السابقة. نعم، فشلت الأمم المتحدة في بعض الأمور، لكنها تجسد هذه القيم والأمل وصراع الجدود من أجل حماية الحرية والديموقراطية. نحن أكبر جيل شهده العالم. إننا قادرون على إصلاح إخفاقات الأجيال السابقة.
يا أعزائي جيل "زد" في بيروت وبغداد واسطنبول وروما وجميع أنحاء العالم العربي. كانت روما، "المدينة الأبدية"، أول مدينة في العالم يصل عدد سكانها إلى مليون نسمة. إلا أن عهدها لم يدم، وسقطت عام 476 ميلادي. وهي ليست المدينة العظيمة الوحيدة التي انتهى عصرها فجأة. سقطت بغداد على يد المغول، ولم يبق من القسطنطينية بعد غزو العثمانيين إلا الرماد والأنقاض. كانت هذه المدن عواصم العالم في حين، يتمتع سكانها بأفضل مستوى معيشي. اعتقد العديد أن صمودها أمر أكيد، وبعد سقوطها، ظنوا أن نهاية العالم وشيكة. لكن ثبت العكس. العالم سيكمل طريقه، والتشاؤم والكبرياء والاعتقاد أننا "نستحق" أن نشهد نهاية التاريخ والوقت، ما هي إلا أوهام لا تساعد في مواجهة المشاكل بطريقة بناءة. لا بد أننا نؤدي دوراً في تحديد مصير البشرية. علينا أن نحارب بأمل، ونواجه التحديات اليومية بشجاعة، لا بتشاؤم وقلق وكجيل واحد وموحد. هكذا فقط نبني عالماً أفضل للأجيال القادمة. الأمل ليس خياراً لنا وإنقاذ القيم عنوان المرحلة.