الثلاثاء - 02 تموز 2024

إعلان

الذكاء التوليدي سيجعلك موسيقاراً وقد ينهي إحدى معضلات الموسيقى العربية

أحمد مغربي
الروبوت موسيقار المستقبل (بيكساباي)
الروبوت موسيقار المستقبل (بيكساباي)
A+ A-

في فيلم "تشريح سقطة"  Anatomy Of A Fall الذي نال أكثر من جائزة أوسكار للعام 2024، ظهرت موسيقى ربما لفتت بعض جمهور الموسيقى العربي، خصوصاً المعجبين بالموسيقار الراحل فريد الأطرش.

وفي الفيلم، يحاول طفل يعاني ضعفاً شديداً في البصر عزف مقطوعة معقدة على البيانو، هي الافتتاحية الموسيقية المشهورة "استورياس لييندا"،  للموسيقار إسحاق ألبينيز (1860- 1909)، والمعروفة أيضاً باسمها المركب "الافتتاحية الإسبانية 1" Suite Espanola.

وفي العالم العربي، عزف الفنان فريد الأطرش تلك المقطوعة نفسها على العود. وظهرت في أحد أفلامه، وذاع صيتها كثيراً في ستينيات القرن الماضي، بل صارت إحدى التأليفات الموسيقية الصرفة المأثورة عنه.

 

التأليف الموسيقي مفتوح أمام الجمهور

 

وبصورة عامة، يُعرَف عن الموسيقى العربية قلّة ما تحتويه من مؤلفات موسيقية صرفة، فيما تتمدّد التأليفات الموسيقية الصوتية على معظم مساحاتها، كالأغاني والموشّحات والمواويل والابتهالات والأناشيد وغيرها.

ويبدو أن الموسيقى العربية على موعد مع تغيير جذريّ في تلك المعطيات، إذا أحسنت التقاط فرصة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

من الناحية الموسيقية، ليس من شأن الإعلام العلميّ أن يخوض في ما ليس له فيه باع ولا ذراع.

وفي المقابل، يلوح في أفق الوقت القصير، الذي انقضى منذ إطلاق روبوت الذكاء التوليدي "شات جي بي تي"، اقتراب زمن يستطيع كلّ محب للموسيقى أن يؤلف الموسيقى التي تراود أحلامه، وتوزيعها على آلات العزف وفق رغباته. والأرجح ألا يبقى الجمهور الشبابي العربيّ بعيداً من هذا المتغيِّر، فيتعاون مع الذكاء الاصطناعي التوليدي في حلّ مشكلة ندرة التأليف الموسيقي الصرف في موسيقى العرب.

وفي مطلع حزيران (يونيو) 2024، أطلقت شركة "ستابيليتي إيه آي" Stability AI التي تعمل أساساً بالذكاء التوليدي نموذجاً مفتوح المصدر Open Source، مخصّصاً لتوليد الأصوات والمقطوعات الموسيقية. يشار إلى أن تلك الشركة نالت شهرة واسعة بعد إطلاقها أداة "ستايبل ديفيوجن" Stable Diffusion المتخصّصة في الرسم والصّور وأشرطة الفيديو.

وقد أطلقت "ستابيليتي" على نموذجها الموسيقي اسم "ستايبل أوديو أوبن" Stable Audio Open. وحينما يعطى وصف بالكلمات للموسيقى المرغوب فيها، يصنع مقطوعات من 47 ثانية، موزَّعة على مجموعة من الآلات المناسبة.

 

الملكية الفكرية وأزمتها المعرفية المستمرة

 

توضيحاً، من المستطاع استخدام "أوديو أوبن" لإنشاء إيقاعات الطبول، وارتجالات الآلات، والضوضاء المحيطة وغيرها. كذلك، يقدر على توليد مقاطع موسيقية للفيديو والأفلام؛ والأهم أنّه يستطيع "تعديل" موسيقى الأغاني أو تطبيق أسلوب إحدى الأغنيات على أخرى.

كذلك، بيَّنت الشركة أن "أوديو أوبن" قد يصنع مقطوعات موسيقية متكاملة، إذا جرى التمرّس بالميزات المتاحة في نسخة خاصّة تنتجها تلك الشركة.

 

ولفتت "ستابيليتي" إلى أن "أوديو أوبن" دُرِّبَ بصورة حصريّة على تسجيلات خالية من قيود حقوق الملكية، أُخذت من مكتبتي "فري ساوند" Freee، و"فري ميوزيك أركايف" المجانيّتين.

 

ثمة ملاحظتان سريعتان بشأن ذلك الإعلان:

أولاً: إن تدريب "ستايبل أوديو" على موسيقى متحرّرة من قيود الملكية الفكرية قد يعني أن معظم ذلك التدريب جرى على المؤلفات الكلاسيكية التاريخية على غرار تلك التي وضعها باخ وبيتهوفن وموتسارت وهايدن وهاندل وشوبرت وغيرهم، إضافة إلى ألحان الأناشيد الدينية وغيرها. ولربما شمل ذلك التدريب مقطوعاتٍ من الجاز الكلاسيكي والموسيقى الروحية للأفارقة الأميركيين وما إليها. وبالطبع، إنّها ليست قائمة حصرية، لكن الهدف من التعداد هو التذكير بأن التشريعات المتوالية في أميركا وبلدان غربية أخرى أدّت إلى امتداد مدّة الحقوق الفكرية إلى عقود. وتشكّل مسألة مدّة استمرار الحماية الحصرية بحقوق الملكية الفكرية إحدى المسائل الكبرى في النقاش العام عن حقوق المواطن المتعلقة بالمعرفة. وفي أميركا مثلاً، تنهض قوى مجتمعية كثيرة، على غرار "مؤسسة الحدود الإلكترونية" Electronic Frontier Foundation ، بالمطالبة بتقصير تلك المدة بغية إيجاد توازن بين حقوق التأليف والإبداع من جهة، وبين المعرفة وانتشارها والحق فيها، من الجهة الأخرى.

واستطراداً، أدت تلك الجهود إلى ظهور أشكال معرفية رقميّة تتّسم بالثراء وبأنها مفتوحة للجمهور، على غرار "أرشيف الإنترنت"  والمواقع المتصلة به. ولعلّ الأبرز في ذلك المضمار، خصوصاً من الناحية القانونية، تمثل في مبادرة "كرييتف كومونز" Creative Commons التي تعمل عالمياً وباستمرار على إثراء المحتوى المفتوح المصدر المتاح أمام الجمهور العالمي.  

 

بانتظار أيدي "الجيل زد" العربي

 

وتتعلق الملاحظة الثانية بشأن إطلاق أداة "أوديو أوبن" بأنها تعمل على نموذج للذكاء التوليدي مفتوح المصدر، ممّا يعني إمكانية "نقله" من دون عوائق تتعلق بالملكية الفكرية إلى الأيدي التي تستطيع التعامل علمياً وتنقنياً معه.

والأرجح أنه لا تصعب ملاحظة الرابط بين الملاحظتين. والأهمّ أنهما سوياً توحيان بسهولة كبيرة في التعامل مع أداة "ستابيليتي أوديو أوبن" من قِبَل الجمهور.

إذن، ليس من المبالغة التفاؤل بأن يتفاعل شباب "الجيل زد" من الشباب العربي مع الذكاء الاصطناعي التوليدي في الموسيقى. وقد أبدت أجيال شبابية متوالية قدرتها على التعامل مع الموسيقى التي تتداخل التقنية معها، على غرار الـ"ريف" و"ميتال" وغيرهما، فيما تركت أداة "كيو بورد" تأثيرات شديدة البروز في الأغنيات المعاصرة.

هل تصدق الآمال فتظهر فيوض من التأليفات الموسيقية العربية الصرفة، بالتعاون بين الأيدي العربية والذكاء التوليدي؟    
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم