"البيجر" فجرته تكنولوجيا موجات الراديو المحمّلة بالطاقة التي تضرب المسيّرات في أوكرانيا

لنبدأ مباشرة بالحديث عن التكنولوجيا. هناك تقنية كشفت عنها بريطانيا في آيار (مايو) المنصرم، تسمّى "سلاح الطاقة الموجّهة بترددات الراديو" Radio Frequency Directed Energy Weapon، ويمكن اختصار الاسم بـ"رِفديو" RFDEW. يعمل هذا السلاح بتكنولوجيا تجمع بين موجات طاقة كهرومغناطيسية وبين ترددات الراديو، بمعنى أن كميات من تلك الطاقة "تَرْكَب" على موجات الراديو وتضرب مكونات إلكترونية وكهربائية في الأجهزة المستهدفة، وتؤدي إلى تخريبها أو تفجيرها.

ولعلّ ذلك مدخل لتفسير تفجير أجهزة "بيجر" والاتصال اللاسلكي لـ"حزب الله" في 17 و18 أيلول (سبتمر) الجاري.

الطاقة على صهوة موجات الراديو

وترتسم في ظلال الكلمات السابقة إمكانية استهداف أجهزة "البيجر" لـ"حزب الله" بموجات راديو محمّلة بالطاقة التي ضربت المكونات الإلكترونية التي تستقبل تلك الموجات، فأحدثت خللاً أو تماساً كهربائياً فورياً رفع حرارة البطارية في "البيجر". وقُرب البطارية، وفق ما صار معروفاً، هنالك متفجرات الـ"بي إي تي أن" PETN العالية الانفجار والفائقة الحساسية، إلى حدّ أن السخونة المرتفعة تكفي لتفجيرها.

والأرجح أن موجات الــ"رِفديو"، أو بالأحرى موجات شبيهة بها، بُثَّت إما من مسيّرات متعددة منسقة العمل، أو من طائرة متخصصة في الحرب الإلكترونية على غرار الـ"أواكس" الشهيرة وأمثالها المتوفرة لأيدي الجيش الإسرائيلي.

ويندرج السلاح البريطاني ضمن فئة تسمّى "أسلحة الطاقة العالية الموجّهة بموجات الراديو العالية الترددات"High-power radio-frequency directed energy weapons، التي يصفها موقع وزارة الدفاع الأسترالية بأنها "من الأسلحة التي قد تغيِّر قواعد اللعبة في العالم المعاصر". ويضع ذلك الموقع قائمة بالأهداف التي تستطيع أسلحة الطاقة الموجّهة بالراديو ضربها، تشمل "المتفجرات المرتجلة" Impoverished Explosive Devices البدائية الصنع التي تستند إلى تكنولوجيا قديمة ومتدنية، وقد شاع استخدامها في عمليات استهدفت الجيش الأميركي في العراق لأسباب تضمنت أنها تكنولوجيا متدنية لا تطاولها يد التقنية العالية للقوات الأميركية.

هل تُذَكِّر هذه الكلمات بشيء ما تردّد كثيراً في النقاشات التي رافقت مقتلتي "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي المتدنية التقنية التي استوردها "حزب الله"؟

 

الطائرات والتفجيرات المتزامنة

وبرز في تلك المقتلة المزدوجة، أن الآلاف من الأجهزة اللاسلكية الموزعة على مساحة واسعة شملت معظم الأراضي اللبنانية وقسماً من الجوار السوري، قد استهدفت في موجتين من الانفجارات المتزامنة.

وبحسب مقال في صحيفة "اندبندنت"، فإن "سلاح الطاقة الموجّه بترددات الراديو"، جرى تطويره أساساً ضمن مشروع "هرسا" Project Hersa الذي نهض به فريق مشترك بين "المختبر العسكري للعلوم والتكنولوجيا" و"قسم التجهيزات والدعم" في وزارة الدفاع.

ووفق المقال الذي ظهر مترجماً في موقع "اندبندنت عربية" بتاريخ 17 آيار (مايو) المنصرم، فإن "رِفديو" هو سلاح "يشمل مجال استخداماته البرّ والبحر والجو ويصل مداه إلى كيلومتر واحد".

ربما يتبادر إلى الأذهان أن الطبيعة السرّية للمشروع قد تُملي بعض التحوير في المعلومات العلنية عنه، ولربما كان مدى السلاح أوسع من ذلك.

وقد تجد مسألة المدى تفسيراً لها في ما يورده موقع وزارة الدفاع الأسترالية عن ذلك النوع من الأسلحة. إذ يضع ضمن أهدافها "تعطيل أنظمة القيادة والتحكم، والتخلص من المتفجرات المرتجلة ومواجهة المسيّرات وإيقاف حركة سفن ومركبات مِن بُعد".

ويفتح الهدف الأخير مساحة للتفكير بأن مدى أسلحة الطاقة الموجّهة بالراديو قد يفوق الكيلومتر بكثير.

وتعزّز تلك الفكرة بما يرد في مقال "اندبندنت"، عن قدرة سلاح "رِفديو" على "إزالة أسراب من المسيّرات الخطرة. ومن المستطاع تركيب تلك الأداة التكنولوجية على مجموعة متنوعة من المركبات العسكرية، مع إمدادها بالطاقة من مصادر متحركة، كي يتاح لها توليد دفقات من طاقة ترددات الراديو على شكل حزمة مكثفة تستطيع إطلاق ضربات متتالية على هدف معين، أو توسيع نطاق حزمة الموجات كي تستهدف مجموعة من الأهداف".

إذاً، هل ضرب سلاح للطاقة الموجّهة بالراديو أجهزة "حزب الله" اللاسلكية المنخفضة التقنية، ببث موجاتها عبر ترددات متطابقة مع تلك التي تتلقّاها تلك الأجهزة، بواسطة مسيّرات أو طائرات استطلاع مخصّصة للحرب الإلكترونية أو ربما قطع بحرية، تابعة للجيش الإسرائيلي وغطّت مديات بث موجاتها المساحات المستهدفة في لبنان وسوريا؟

الاختراق العميق واللغز المستمر

إذا عاد القارئ إلى مواقع متخصصة على الإنترنت، فسيجد بسهولة أن موجات الطاقة الموجّهة بالراديو، تحتفظ بقدراتها نسبياً ضمن ترددات قريبة من الترددات المطلوبة لتفجير الأجهزة المستهدفة. ولعلّ ذلك يفسّر تفجيرات طاولت أجهزة لاسلكية اخرى، كتلك الملحقة بلوحات الطاقة الشمسية وغيرها.

لقد حاولت هذه المقاربة وصف الظاهرة، أي تفجير متزامن ولمجموعات من الأجهزة اللاسلكية المتدنية التقنية، إضافة إلى جمع وتفسير مقولات بدت متعارضة في الأيام القليلة الماضية، وشملت حرارة البطاريات [لكن بطارية الليثيوم تسخن وقد تحترق لكنها لا تنفجر]، وزرع المتفجرات [صار ذلك ثابتاً، ويطرح سؤالاً مريراً وشائكاً عن اختراق استخباراتي إسرائيلي واسع وعميق للمستويات الأمنية في حزب الله] والانفجار بتخريب المعدات الإلكترونية [وفق البعثة الديبلوماسية اللبنانية في الأمم المتحدة، وهو الأقرب إلى إمكانية التفجير بموجات الطاقة الموجّهة، لكنه لا يشير إليها].

هل قُضي الأمر وفسّرت الكلمات السابقة لغز انفجارات "البيجر" والووكي توكي؟ الأرجح أن كلا وكلا!

لقد حاولت هذه السطور تقديم طريقة في تفسير المعطيات، لكنها لا تزعم أنها تفسّر ولا تملك معلومات كافية كي تدّعي ذلك، وليس كاتبها خبيراً عسكرياً ولا متخصصاً تقنياً، بل إنه يقدّم مقاربة تحليلية تستند إلى التفكير النقدي بما استطاع الوصول إليه من معطيات عن المجزرة المزدوجة غير المسبوقة في الصراع العربي- الإسرائيلي ليومي 17 و18 أيلول الجاري.