أثارت الملاكمتان التايوانية #يو تينغ لين والجزائرية #إيمان خليف جدلاً كبيراً في العاصمة الفرنسية لاتّهامهما بعدم الأهلية الجنسية، وتساءل البعض عن قرار اللجنة الأولمبية الدولية السماح للثنائي بالمشاركة في منافسات الملاكمة النسائية في باريس، رغم استبعادهما من بطولة العالم للنساء العام الماضي لعدم استيفائهما معايير اختبار الأهلية الجندرية.
وسط هذا الجدل، يسلّط العلم المزيد من الضوء على تركيباتنا "الكروموسومية" المختلفة، وما قد تجلبه من مزايا في الرياضة. لكنّ البحث لا يزال مستمرًّا، وحتى بين الخبراء الذين يقضون حياتهم المهنية في دراسة هذا الموضوع، هناك تفسيرات مختلفة حول ما يكشفه لنا العلم.
نعلم أنّ عملية تحديد الجنس تبدأ عندما يتطوّر الجنين. تحصل أغلبيّة الإناث على اثنين من الكروموسومات X (XX)، بينما يحصل معظم الذكور على كروموسوم X وآخر Y (XY).
تؤثر الكروموسومات على جنس الشخص، لكنّ الهرمونات لها دور مهمّ أيضًا، سواء في مرحلة ما قبل الولادة أو خلال فترة البلوغ. تساعد الهرمونات أثناء نمو الطفل في الرحم في تحديد نوعية تطوّر الأعضاء التناسلية. ومع ذلك، في مرحلة ما خلال فترة الحمل، لا تتطوّر الأعضاء التناسلية لدى بعض الأطفال بالطريقة التي تتطوّر فيها لدى معظم الناس. وتندرج حالتا خليف ولين ضمن اضطرابات في النمو الجنسي، يشار إليها بمسمى "الفروقات في التطور الجنسي" أو Difference in Sexual Development، بمعنى أن مسارها يغاير ما يحصل لدى غالبية الناس.
تُعتبر هذه الاضطرابات "الكروموسومية" نادرة، لكنها أصبحت محطّ اهتمام كبير بسبب الجدال حول الملاكمة في الأولمبياد.
في مقال منشور على موقع "بي بي سي"، ثمة شرح معمق عن هذه الحالة الطبية النادرة، في محاولة لفهم الاختلافات في التركيبة الجنسية عند البعض من الناحية العلمية بعيداً عن أيّ تأويلات وحملات تشويه وتنمّر.
ما الذي نعرفه عن الملاكمتَين والجدل حول جنسيهما؟
صرح المدير التنفيذي للاتحاد الدولي للملاكمة كريس روبرتس لـ"BBC Sport" بأنّه بعد موافقة الرياضيتين على إجراء الفحوصات الطبية، تمّ العثور على كروموسومات XY في الحالتين.
لكنّ الأمر ليس بهذه البساطة. نظرًا إلى أنّ هذه التغييرات الجينية متعددة ومتنوّعة للغاية، يقول الخبراء أنّه من المستحيل إثبات أنّ كلّ من لديه كروموسوم Y هو ذكر، وكلّ من لديه كروموسوم X هو أنثى.
وعليه، يوضح البروفيسور ألون ويليامز، الذي يدرس العوامل الوراثيّة المرتبطة بالأداء الرياضيّ في معهد الرياضة في جامعة مانشستر متروبوليتان أنّ "مجرّد النظر إلى وجود الكروموسوم Y بمفرده لا يؤكّد ما إذا كان الشخص ذكراً أم أنثى".
من الواضح أنّ هذا مؤشر جيد جداً، حيث أنّ معظم الذين يملكون كروموسوم Y هم من الذكور، لكنّه ليس مؤشّراً مثالياً.
فبالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب النمو الجنسي (DSD) قد لا يكون كروموسوم Y عبارة عن كروموسوم ذكريّ نموذجيّ ومكتمل. قد يحتوي على بعض المواد الجينية المفقودة أو التالفة أو المتبادلة مع كروموسوم X، وذلك حسب النوع.
ولكن عندما يتعلق الأمر بتحديد الجنس كذكر أو أنثى، يكون الجين المحدد هو عادةً جين يُسمى SRY والذي يرمز إلى "منطقة تحديد الجنس في الكروموسوم Y".
برأي عالمة الأحياء التطورية التي تدرس الاضطرابات الجينية الدكتورة إيمّا هيلتون أنّ "هذا يُسمى جين الذكورة، إنّه المفتاح الرئيسيّ في التطوير الجنسي".
يشار إلى أنّ هيلتون عضو في مجلس إدارة جمعيّة Sex Matters التي تزعم أنّ إيمان خليف ولين يو تينغ يجب ألّا تخوضان غمار المنافسات الرياضية إلا بعد إجراء مزيد من الاختبارات.
أكثر من قراءة علميّة خاض فيها بعض الوسائل الإعلاميّة من منطلق علميّ، ومن بينها صحيفة "الإندبندنت" التي أجرت مقابلة مع أكاديميّ متخصّص في مجال اضطراب النموّ الجنسيّ.
هذه الحالة الطبية النادرة تشمل الجينات والهرمونات والأعضاء التناسلية، وبالتالي، يعني ذلك وجود أشخاص يُغاير نموهم الجنسيّ ما يحصل مع معظم الآخرين.
إذاً، يمكن للأشخاص أن تكون لديهم كروموسومات جنسية مرتبطة عموماً بأنّهم إناث (XX)، أو مرتبطة عادةً بأنّهم رجال (XY)، لكن مع وجود أجهزة تناسلية وجنسية يبدو كأنّها تخالف ذلك.
لذا، فإنّ اختبار تحديد الكروموسومات XY لا يقدّم الصورة الكاملة. وفي حالتَي إيمان خليف ولين يو تينغ، لم يكشف الاتحاد الدوليّ للملاكمة عن تفاصيل طريقة اختبارهما.
ومع ذلك، يرى الدكتور هيلتون إنّ معظم الأشخاص الذين لديهم كروموسومات XY، يكون الجين SRY موجودًا عندهم. وعادة ما تكون لديهم خصيتان تكونان غالبًا داخل الجسم. وعندما يصلون إلى سنّ البلوغ، تبدأ أجسامهم في إنتاج التستوستيرون، وهو ما يدعم الميزة الذكورية في الرياضة".
ويستشهد هيلتون من المثال الأكثر شهرة يتمثل في حالة كاستر سيمينيا، الفائزة بميداليتين ذهبيتين في الأولمبياد وببطولة العالم ثلاث مرّات في سباق الـ 800 متر. ويشدّد الدكتور ألون ويليامز على أنّه "لا يوجد دليل مباشر على أنّ الرياضيين الذين يعانون من اضطرابات النموّ الجنسيّ لديهم الميزة نفسها التي يتمتّع بها نموذج الذكوريين العاديين".
من ناحية أخرى، هؤلاء الأشخاص الذين يعانون من اضطراب النموّ الجنسيّ، على غرار حالة الملاكمتَين، "لا يطوّرون الأعضاء التناسليّة الأنثويّة، وبالتالي لا يمتلكون عنق الرحم أو الرحم. هؤلاء الأشخاص لا يعانون من الدورة الشهريّة ولا يمكنهم الحمل".
وفي هذ الصدد، يشير البروفيسور هويبيرغ غراوهولت في "جامعة آرهوس" الدنماركيّة إلى أنّ تشخيص حالة اضطراب النموّ الجنسيّ يكون إمّا حين الولادة أو لدى بلوغ سنّ المراهقة".
ويؤكّّد أنّ "نصف مريضاته لا يمتلكن أرحاماً كي يتمّمن الحمل فيها، فيما النصف الباقي يمتلكن أرحاماً لكنّهنّ لا ينتجن بويضات أنثوية. كما أنّ الدورة الشهرية لا تحدث لدى أولئك النسوة كلّهنّ إلّا إذا أُعطين هرمونات جنسية، ولكنّ إمكانية الحمل عندهنّ مستحيلة، فهو لم يسمع عن وجود أيّ امرأة بكروموسوم "أكس واي" استطاعت إنجاب الأطفال".
ويتذكر غراوهولت حالة امرأة في الثلاثينات من عمرها قصدته لأنّها لم تستطع الحمل. "كانت تمتلك فرجاً طبيعياً مع مظهر خارجيّ لأنثى، لكنّها لا تمتلك رحماً على الإطلاق. وأنتجت خصيتاها اللتان حلّتا في موضع المبيضين، كميّات كبيرة من هرمون تستستيرون".
كانت صدمتها كبيرة عندما أخبرتها بأنّها لن تحمل لأنّها ببساطة لا تملك رحماً.
هل يغيّر الجدال حول الجنس الأمور في الألعاب الأولمبيّة؟
هل يتمتع الأشخاص الذين يختلفون في النموّ الجنسيّ بميزة غير عادلة في الرياضة؟ الإجابة المختصرة هي أنّنا لا نملك بيانات كافية للوصول إلى استنتاج نهائيّ.
يعترف البروفيسور ألون ويليامز: "لن يفاجئني إذا كان الأشخاص الذين يعانون نوعاً من اضطرابات النموّ الجنسيّ لديهم ميزة بدنية. قد تشمل هذه المزايا كتلة عضلية أكبر، بالإضافة إلى عظام أكبر وأطول وأعضاء أكبر مثل الرئتين والقلب ومستويات أعلى من الهيموغلوبين في الدم، ما يُحسّن إيصال الأوكسجين إلى العضلات".
ومع ذلك، يعتبر ويليامز أنّ الأشخاص الذين يعانون من بعض أنواع اضطرابات النموّ الجنسيّ قد يكون لديهم مزايا في بعض أو كلّ تلك العناصر، تتراوح من 0 إلى 100 في المئة، حسب نوع اضطراب النموّ الجنسيّ، والسبب الجينيّ الدقيق له."
واستناداً إلى ذلك، ففي موضوع إيمان خليف ولين يو تينغ، ليست لدينا معلومات كافية لمعرفة ما إذا كانت الفوارق في التطور الجنسي لديهما تفرض ضرورة التدخل فيها.