الوقت حان للكتابة عن نجم رمضان بامتياز: قصي خولي بشخصية صافي الديب. رائع، في واحد من أفضل أدواره، يعيد له مجده بعد أدوار رمضانية بعضها تعثّر. أبكيتنا يا إنسان! كيف استطعتَ أن تكون حقيقياً إلى هذا الحدّ، كأنّك تخسر الأم من دون تمثيل، وتودّعها وتندب رحيلها، من دون اكتراث لكبرياء الرجولة والبكاء على الملأ؟ شخصية مُبكّلة من الألف إلى الياء، حدّ أنّها تُنسي كيف هو قصي خولي خارج الكاميرا. هل نبالغ إن قلنا أنّه دور العُمر؟ لعلّه كذلك.
جمال مسلسل "عشرين عشرين" ("أم بي سي دراما"، "أم تي في")، كلٌّ، لا جزء. لا يقتصر على كتابة (نادين جابر وبلال شحادات) أو إخراج (فيليب أسمر) وإنتاج (الصبّاح أخوان)، فالأداء التمثيليّ أيضاً في مكانٍ عالٍ. لكنّ مشهد المستشفى أمس، لامس الذروة. رائعان بلقطة واحدة: رندا كعدي وقصي خولي. أمٌ من عظمة عطاءات الله، يودّعها ابنها مقدّماً مشهداً من أعذب الوداعات البشرية. الممثل هو الصدق. هو "شقلبة" المُشاهد وخضّ مزاجه. وهو انتظاره في كلّ المواقف والإحساس بأنّ بينهما علاقة قديمة.
يحلو به المسلسل؛ هذا الكاراكتير الشلّال، المتدفّق. وإن أكثرنا الأوصاف، فهي في محلّها، تفرض نفسها، ولا تقبل بالأقلّ. لماذا؟ لأنّ خولي يلبس صافي، كما تتّخذ الأثواب وضعيتها من أحجام أصحابها. شخصية من الأرض والناس والحيّ المنسيّ. "ريّسُ" الدور، و"ديب" المفارقات: يتاجر بـ"سمّ الهاري"، لكنّه يرفضه بغضب حين يتعلّق الأمر بعائلته. يُشغّل الفتيات في تهريب المخدّرات، لكنّه يوزّع الإعاشات على المحتاجين ويجبر بخاطر الأولاد الفقراء. الأروع في هذه الدوّامة النفسية، هو الحنان. والتسليم لمشيئة الحبّ. معدنه مذهّب حيال الأم تحديداً. قلّما أثّرت مَشاهد الوداع في الناس بهذا العمق. يقدّمه من صميم الوجع الإنسانيّ حيث أفواه القبور مفتوحة، والرثاء جماعيّ. بكاؤه بمثابة احتراق عام وخسارة مشتركة. فالأم الراحلة على غفلة، هي الأحبّة جميعهم حين تواروا بصمت، وخلّفوا وراءهم فراغات مُعذِّبة، وأنيناً، وآهاتٍ، ونيراناً لا تشبع.
"جوعان يا إمي، عمليلي أكل"! ذبحتنا يا رجل! أيقظت المواجع! "يا عفو الله"! أحقاً أنّك تمثّل، وهذا الرثاء ليس حقيقياً؟ مَن أرسلك إلينا لتحرّك الجرح؟ الارتماء على الأرض في المستشفى، الدمع المُنهمر كالشتاء، والإحساس القاتل بالذنب، كلّها في قبضة ممثل محترف، يستحقّ النجاح. مؤلمة المنازل حين تغادرها الأم. لا تعود الجدران نفسها، ولا فناجين القهوة ودفء الأسرّة. تتّخذ غير معانٍ وغير مشاعر. تتغيَّر. وتتوحَّش.
رمضان في منتصفه تقريباً، وليس استباقاً للنتائج القول إنّ قصي خولي هو الأول على الإطلاق في الدور وأدائه وأثره في مسيرته. نجوم يشعّون لأنّ لمعانهم شخصيّ، لا لأنّ الدور في ذاته مشعّ أو تركيبة المسلسل. أما خولي، فـ"الكلّ بالكلّ". سلّته هذه السنة مُكتملة. نجم رمضان.