الجمعة - 20 أيلول 2024
close menu

إعلان

الفـيديرالية

المصدر: النهار
رشيد درباس
رشيد درباس
Bookmark
"تتناوب على لبنان أزمات دورية يعود معظمها إلى موقعه الجغراسيّ" (تعبيرية - تصوير حسن عسل)
"تتناوب على لبنان أزمات دورية يعود معظمها إلى موقعه الجغراسيّ" (تعبيرية - تصوير حسن عسل)
A+ A-
 الَّلْيُل مَمَرٌّ إجباريُّ للوصول إلى الفجرالبابا فرنسيسأسوأُ ما يفعلُ المريض إذا اشتركت فيه العِلَلُ، ونَخَرَتْهُ الحُمَّى، وأنْذَرَتْه أعضاؤه بالاستقالة من وظائفها، وانخفضت نسبة الأوكسيجين في دمه، أن يُسَلِّم أمره  إلى " أطباء الأعشاب" الزاعمين أن أدويتهم من صنع الطبيعة خاليةٌ من الكيمياء. أما إذا كان هؤلاء "العشبيون" من أهل التوتر والعصبية، فقد يُسَرِّعون في تخليص المريض من آلامه، وذلك بإيصاله إلى مقره الأخير. في كتاب أمين معلوف (الحروب الصليبية في نظر العرب) "أن جنديًّا إفرنجيًّا طلعت في رجله دُمّلة، فقام طبيب نصراني من جبل لبنان اسمه ثابت بعمل "لُبَّيْخَة" فتحت الدمّلة؛ لكن طبيباً إفرنجيًّاً قال للفارس: (أيما أحبُّ إليك، تعيش برجل واحدة أو تموت برجلين) فاختار المريض أن يعيش برجل واحدة. فأحضر الطبيب الإفرنجي فأسًا وطلب من فارس آخر أن يبتر الرِّجْلَ بضربة واحدة، ولكن الأمر اجتاج إلى ضربتين، كانتا كافيتين لموت الرجل". لم أَسُقْ هذه المقدمة لاستذكار التاريخ، بل لمضاهاتها مع النكوص الفكري والحضاري الذي نشهده اليوم في حَمْأة البحث عن حل للمعضلة اللبنانية. ولَسَوفَ أحاولُ أن أكون صريحًا وموضوعيًّا إلى المدى الذي أستطيعه، لأن مرض الدولة تفاقم حتى تخطّى اهتراء المؤسسات الدستورية وتجاوزَ انفجارَ شرايين الدورة السياسية والاقتصادية، فطاولَ بنية الوطن واخترمَ سرِّ كيانه، في تنكُّرٍ عاقٍّ للمؤسسين، وجهدٍ شاقٍّ للتنقيب تحت الأساس عن نبذة شاردة من التاريخ القديم أو تهويمة بلهاء في أحفورة مهملة. تتناوب على لبنان أزمات دورية يعود معظمها إلى موقعه الجغراسيّ. من علائمها نزوع مكوناته إلى الاستفادة من التجاذب الإقليمي، وميلها إلى الاستقواء بحليف أو بآخر لتأمين غلبة داخلية فارغة وإحراز حقوق كاذبة أو استعادة صلاحيات ضائعة أو نصرة أفكارٍ ما. حتى إذا انقلبت الأيام تحول الحليف إلى عدو والعدو إلى حليف في مشهدية لـمَّا تزلْ غرابتها عالقة في الذاكرة: جيش سوري دخل إلى لبنان لنصرة المقاومة الفلسطينية حينًا ثم لضربها بعد حين، ولمساعدة المسيحيين ثم لقصفهم؛ وجيش إسرائيلي دخل العاصمة لفرض حالة سياسية تناسبه، سرعان ما تخلّى عنها وانغمس في إذكاء الفتن الطائفية، فأفاق اللبنانيون معظمُهم بعد غفلة، على حقيقة جارحة جدًّا، هي أنهم إبَّانَ تصارعهم فقدوا إرادتهم الوطنية، وتنازلوا عن استقلالية الخيارات، وارتهنوا للحلفاء الظرفيين فباتت...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم