بعلبك... الجيش يكافح ونسبة صناعة المخدرات تدنت ودعوات لأن تكون العمليات الأمنية مستدامة لا موسمية

لينا إسماعيل
 
 
حالت العناية الإلهية أمس في تفادي سقوط ضحايا، إذ قام مطلوب من مدينة بعلبك وأفراد من عصابته على سلب محال تجارية في المدينة لنازحين سوريين بقوة السلاح، وسرقة مبالغ تقدر بالملايين، بحجة أنهم لم يرغبوا في تواجد نازحين فيها، لكن السبب الحقيقي بحسب معلومات "النهار" أن هؤلاء مدمنون على المخدرات، والسبب شراؤها.
 
ونفذت قوة من الجيش مداهمات مكثفة، من دون أن تسفر عن توقيف المشتبه به رغم وجود عدة مذكرات توقيف بحقه، فيما معلوم أن محمي من رجل دين معروف في المنطقة، الذي تحرك على الفور لمحاولة حرف الحادث عن أسبابه الحقيقية.
وتعيش المدينة حالة توتر منذ يوم أمس، خوفاً من الانجرار إلى أحداث أمنية مع النازحين، وما يترتب من عواقب غير متوقعة بين المجتمعين.
 
حادثة أخرى تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، حول موضوع نشره المواطن ح.ع. ش (من جبيل مواليد دمشق ويقطن في بعلبك)، يتعلق باختطاف طفلته هبة البالغة من العمر 3 سنوات، من قبل مجهولين ومطالبته بفدية مالية، إضافة إلى اختفاء زوجته السورية.
وبحسب المعلومات، فإن الأب غير مستقر نفسياً ومدمن على المخدرات، وكان يعمل على إجبار زوجته على أمور مخلّة لتأمين المال لشراء المخدرات، وهربت منه مع ابنتها، إذ كان يحاول بيع طفلتهما لتأمين المخدرات أيضاً. هاتان الواقعتان تطرحان قضية المخدرات وصناعتها في المنطقة فيما أخفقت استراتيجيات مكافحتها حتى يومنا هذا، من قبل المعنيين كافة منذ عقود، وحيث ما يزال نشاط بارونات المهنة قائماً في الأراضي اللبنانية كافة. آفة تقضي على المتورطين فيها سواء كانوا مزارعين، مصنّعين، مهربين، مروجين أو متعاطين.
 
وقد أدركت قيادة الجيش أن الاستراتيجيات المتبعة سابقاً غير مجدية، فشنت حربها منذ مطلع العام 2022 وسقط لها شهداء وجرحى.
 
وتدل نسبة انخفاض الجريمة في بعلبك - الهرمل بالأرقام ما بين عام 2022 وحتى اليوم على نجاح ما يقوم به الجيش والمخابرات حالياً. وبحسب المعلومات، في العام 2022 تراجع ضبط مصانع إنتاج حبوب الكبتاغون، من 8 مصانع إلى 2 منذ بداية العام الجاري مع تراجع تأسيسها، سواء في المنطقة أو داخل منطقة الحدود الشرقية حيث يختبئ المطلوبون.
كما تراجع عدد الوفيات بالجرعات الزائدة، إثر هدم الديوانيات المستخدمة لبيع المخدرات 13 منها العام الفائت واثنان خلال شهر شباط الفائت، وتم توقيف 13 موقوفاً حتى اليوم بتهمة تجارة المخدرات، فيما تم توقيف أكثر من 30 شخصاً خلال عام 2022. كذلك تم توقيف 15 شخصاً ارتكبوا جرائم بسبب الإدمان خلال العام الماضي، بينما وصل عددهم إلى 8 فقط هذه السنة. وبلغت كميات جميع أنواع المخدرات المضبوطة خصوصا الكبتاغون، أقل من 60 في المئة من معدل العام الماضي.
 
دائما ما تنحصر معالجة هذا الملف في المنطقة بالناحية الأمنية، من دون الجوانب الأخرى المتعلقة بتقديم الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية للمدمن. وفي الإطار، يلفت رئيس جمعية "جاد - شبيبة ضد المخدرات" جوزف حواط لـ "النهار" إلى أمر خطير كان قد اختفى قبل ثماني سنوات، ليعود الآن وهي مشاركة النساء في صناعة المخدرات، إذ بحسب الإحصائيات فإن 2 في المئة من نساء المنطقة يعملن في صناعة المخدرات، و 20 في المئة مدمنات اضافة الى الترويج نتيجة انعكاس البطالة والربح السريع.
 
ويؤكد على أهمية تشريع زراعة القنب الهندي، من خلال زراعة نبتة القنب CBD للاستخدامات الطبية والصناعية وليس نبتة THC الخطرة التي تزرع حالياً.
ومسألة التشريع تقلل نسبة المطلوبين وتساهم بإدخال المزارع والأهالي في لعبة الصناعة من دون أي مخاطر على لبنان وبقية الدول لتكون زراعة القنب البديل عن غياب الإنماء في المنطقة. يذكر هنا أن عملية زراعة القنب التي كانت تشكل 60 في المئة من الأراضي الزراعية، لم تتراجع نتيجة المحاولات الأمنية السابقة، بل أتلفت نفسها نتيجة انخفاض أسعارها، بحيث يتم بيع الهقة من الحشيشة اليوم بين 35 و 60 دولاراً، بينما كانت تصل في السابق إلى 800 دولار، قبل أن تنشط صناعة الكبتاغون بسبب ربحها السريع بداية العام 2000، إذ تبلغ تكلفة الحبة سنت أميركي واحد بينما تباع بـ20 دولاراً أميركياً.
 
من جهته، يشدد الباحث السياسي الدكتور بلال اللقيس على ضرورة أن تكون هذه العمليات الأمنية مستدامة لا أن تكون لفترة نتيجة ضغوط دولية وتنتهي، لافتاً إلى أن نجاحها كان مصدر ارتياح للأهالي، وعودة الحركة الاقتصادية بشكل جيد إلى حد ما نتيجة استعادة الأمن.
 
ويؤكد أن جميع الأطراف يطالبون بإنهاء هذه الآفة بدوافع دينية وأخلاقية، خصوصاً وأن من يتعاطون المخدرات هم من الفئة المنتجة أي من لديهم القدرة على الإنتاج، من هنا لا بد من تشديد العقوبات من جهة، ورعاية ضحايا الإدمان من جهة أخرى.
 
وبحسب الأرقام الرسمية، فإن الفئة العمرية الأكثر استخداماً للمخدرات تتراوح بين 20 و 39 عاماً، من دون وجود أي إحصاء رسمي عن أعداد المدمنين.
 
في القرن الخامس ق.م أكد الفيلسوف اليوناني دياجوراس دي ميلوس أن الموت أفضل من الاستسلام لسحر الأفيون والقنب المدرج في معابد باخوس، ومع ذلك، لم تجد تحذيراته صدى يذكر في المجتمعات القديمة لبعلبك ولا الحديثة، ومطلب الأهالي اليوم ان تبقى المعالجات الأمنية يومية شبه دائمة.