الخميس - 04 تموز 2024

إعلان

الشرخ بين "حزب الله" والبيئات اللبنانية المعارضة يتّسع... هل يتكرّر سيناريو الحرب الأهلية؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
مسلحون خلال تشييع فادي بجاني في الكحالة (حسام شبارو).
مسلحون خلال تشييع فادي بجاني في الكحالة (حسام شبارو).
A+ A-
يزداد الانقسام العمودي ويبلغ ذروة جديدة مع كل مستجدّ مشابه لحادثة الكحّالة. هو انقسام سياسي وطائفي وإيديولوجي عميق، عنوانه العريض رفض "حزب الله" وسياساته وفائض قوّته، يُترجم اقتتالاً أهلياً متنقلاً بين بيروت، الطيونة، خلدة، شويّا، الكحّالة ومناطق أخرى شهدت صدامات بين الأهالي والحزب.

ثمّة رفض شعبي عريض لمشاريع "حزب الله" من قبل لبنانيين ينتمون إلى بيئات طائفية وسياسية مختلفة. ففي الساحة المسيحية المواجهة على أشدّها مع الحزب، والموقف نفسه ينسحب على البيئتين السنّية والدرزية، وإن بوتيرة أقل تبعاً للظروف السياسية التي تشهد تبدّلاً من العام 2005. وكذلك الأمر في البيئة الشيعية حيث ترتفع أصوات معارضة وإن بشكل أقل حدّية نتيجة العصبية الطائفية.
 
الاختلاف بين هؤلاء اللبنانيين ومناصري "حزب الله" لم يعد سياسياً على موقع رئاسة الجمهورية أو الحكومة أو مجلس النواب، بل إنّه بات خلافاً عقائدياً إيديولوجياً، وباتت المعركة وجودية كيانية. وفائض قوّة الحزب الذي يُترجم على الأرض سلاحاً وقمصاناً سوداً، صار يستفزّ لبنانيين كثيرين وصل بهم الأمر للجوء إلى السلاح لمواجهة هذا النفوذ، ما يطرح أسئلة مقلقة حول المستقبل.

ويترافق هذا الانقسام مع خطابات عالية النبرة تسود المنابر، تؤجّج الشرخ السياسي والطائفي وتشحن النفوس إلى جانب الأحداث السياسية والأمنية المستفزّة، ما يُترجم على الأرض اشتباكاً أهلياً عند كل حدث. هذا الواقع أعاد إلى الأذهان مرحلة سبقت الحرب الأهلية، امتدت بين العامين 1965 و1975، حينما كان الشرخ في أعلى مستوياته بين اللبنانيين والفلسطينيين، واللبنانيين أنفسهم.

في المرحلة الحالية، وفي ظل التحدّي الكياني والوجودي بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين الرافضين لـ"حزب الله"، وما يرافقه من نزعات انفصالية، فإن الأرضية باتت تُشبه إلى حد بعيد تلك المرحلة التي رفض فيها جزء من اللبنانيين، وبشكل خاص الشارع المسيحي، الوجود الفلسطيني، ودعوا آنذاك إلى الفيدرالية. فهل يعيد التاريخ نفسه، فيستتبع الشرخ الحاصل اقتتالاً أهلياً، يكون الحزب أحد أطرافه؟

أحداث أمنية جديدة منتظرة
الناشط السياسي والقيادي السابق في "التقدمي" كمال معوّض يحذّر من خطورة الشرخ الموجود، والذي سيتسع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية من جهة، وغياب الحلول السياسية للشغور المتمدّد من جهة أخرى، ويعتبر أن إنجاز هذه الاستحقاقات بحد أدنى من التلاقي من شأنه خلق بيئة توافقية والتخفيف من الاحتقان.

وفي حديث لـ"النهار"، يُبدي معوّض تشاؤمه في هذا السياق، ويُشير إلى أن استمرار الأمور على ما هي عليه سيستتبع أحداثاً أمنية متكرّرة مُشابهة لحادثة الكحالة ولكن موضعية، وعلى الرغم من تشابه الحال بين اليوم وما قبل الـ1975 لجهة الشرخ والحقن وعودة الطروحات الانفصالية، فإن لا حرب أهلية في الأفق بسبب غياب السلاح والدعم الخارجي لها.

عوامل الحرب الأهلية موجودة ولكن؟
ويُتابع في هذا الإطار: "ثمّة تعابير سُمعت في الأيام الأخيرة تُذكّر بمرحلة ما قبل الحرب الأهلية، وعوامل الانقسام والتجييش حاضرة، لكن في الوقت نفسه فإن لا قوّة عسكرية في لبنان غير "حزب الله"، ولا استعداد عربياً أو غربياً أو حتى إسرائيلياً لتسليح أحزاب في لبنان وإحداث حرب في المدى المتوسّط، بعكس ما كان الحال حينما كانت سوريا، العراق، ليبيا وإسرائيل تسلّح اللبنانيين".

وعن سبب هذا الانقسام العميق الحاصل في المجتمع اللبناني، وما إذا كان سياسياً أم إيديولوجياً، يربط معوّض بين الأمرين، ويلفت إلى أن "اللبنانيين غير متفقين على هويّة موحّدة للبنان، وثمّة صراع حول هذه القضية، ما يُعزّز من النزعات الانفصالية والطروحات التقسيمية، والحل الوحيد والأوحد هو تطبيق اتفاق الطائف بشكل كامل وإقرار الاستراتيجية الدفاعية".

وبالنسبة الى أطراف هذا الانقسام، يرى معوّض أن "اللبنانيين من كافة الشرائح الطائفية باتوا يعارضون سياسات "حزب الله"، والأمر ليس محصوراً بالشارع المسيحي فحسب، بل إن البيئتين السنّية والدرزية أيضاً ترفضان سياسات الحزب، لكن خطاب قيادات هاتين الشريحتين أكثر عقلانية وأقل حدّةً مقارنةً بالقادة المسيحيين".

ويختم معوّض حديثه معتبراً أن "حزب الله" مسؤول عن تأجيج الأزمة وتفاقمها بسبب مقارباته الإقصائية والتي يُحاول عبرها فرض سياساته على اللبنانيين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فرض سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، وفي الآن عينه يتحمّل باقي الأطراف مسؤولية تخفيض مستوى الحقن والتحريض والابتعاد عن المشاريع التقسيمية لردم الهوّة نسبياً.

مشهد سياسي معقّد... والآتي أسوأ؟
من جهته، يقول مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية – الفرع الأول، جهاد بنّوت إن "اللبنانيين يتقاذفون المواقف المتطرّفة منذ العام 2005، ما ساهم في انقسامهم ضمن اتجاهات معقّدة على المستوى السياسي. أما خطورة هذه المواقف فتنعكس على المستوى الطائفي، ويزداد هذا الشرخ ويأخذ المنحى الطائفي مع كل حدث أمني".

وفي حديث لـ"النهار"، يرى بنّوت أن "المشهد السياسي الداخلي معقّد. فالدولة بلا رأس، المنظومة الحاكمة عاجزة، والأحزاب الطائفية تجهد لاسترجاع دورها. ويُضاف إلى ذلك الواقع فائض قوة لتيار "المقاومة"، الواقع الاقتصادي الصعب، والدور المتنوّع للقوى الخارجية، وكل ذلك يؤدي إلى تعميق الشرخ في المجتمع اللبناني".

ويلفت بنّوت إلى الطروحات الانفصالية، مشيراً إلى أن "منذ مدّة، عادت المواقف السياسية التقسيمية لتظهر، وهي نزعات ازدهرت خلال الحرب الأهلية وتراجعت مع نهايتها، وتعود مؤخراً بمسمّيات إدارية جهاراً، لكن خطورتها أن تكون سياسية. وهكذا تعكس هذه التطلّعات تباينات واضحة ذات بعد طائفي إيديولوجي على المستوى الثقافي والمعيشي والسياسي والاجتماعي".

ويُشير إلى أن "الواقع يُنذر بتكرار المواقف المتطرّفة ما لم تتدارك المرجعيات الحزبية والسياسية عند الأطراف المؤثّرة خطورة الأمر، وتنحو باتجاه تخفيف التوترات وإعادة فتح القنوات والاتصالات، إذ لا يمكن أن تنقطع قنوات التواصل بين المرجعيات المسيحية والإسلامية".

ويرى بنّوت أن "لبنان كأي بلد في المنطقة مشرّع أمام العامل الخارجي، ولمعرفة دور الخارج في الداخل، لا بد من التوقف عند الأحداث الراهنة في منطقتنا في سوريا والعراق وأيضاً ما يجري في غرب أفريقيا، ولا حل إلا بالعودة إلى الحوار، وإلّا فالواقع يُنذر بالأسوأ".

في المحصّلة، فإن الواقع ليس مريحاً على المستويين السياسي والأمني، وتصاعد حدّة الخلاف الوجودي سيستدعي اشتباكات أهلية متنقّلة، إلّا أن لا انفجار شاملاً مرتقبٌ في الأفق بسبب غياب تكافؤ القوّة العسكرية، والخوف أن يفرض ميزان القوى وقائع سياسية جديدة في سيناريو مماثل لما حصل في 7 أيار 2008 ومؤتمر الدوحة الذي أعطى "حزب الله" مكاسب سياسية.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم