يتفاعل الخلاف بين وزير الداخليّة في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي ومدير عام قوى الأمن الداخليّ اللواء عثمان المنفجر منذ أشهر على خلفيّة تشكيلات في قوى الأمن الداخليّ. وآخر مظاهر فصوله، ما تسرّب اليوم عن إعطاء مولوي الإذن للقضاء بملاحقة عثمان.
وقال مولوي اليوم في مؤتمر حول "النافعة" نظمته الجامعة اليسوعية، "لن نتراجع لحظة بإعطاء الاذونات اللازمة التي وردتنا من القضاء المختص لملاحقة المرتكبين، وأعطينا الإذن بملاحقة المرتكبين في الإدارة التي عملتم فيها وإدارات ومؤسسات أخرى أمنية وغير أمنية. ولن نقبل أن يبقى في لبنان فساد…".
وعلى الرغم من التدخّلات التي حصلت، إلّا أنّ الأمور لا تزال تتعقّد بين الرجلين، من دون أيّ حلول، وتمثّلت في عدد من الخطوات التي أقدم عليها وزير الداخليّة، ومنها "مشاريع مراسيم قبول استقالة الضبّاط ومشاريع قرارات الإجازة من دون راتب للرتباء والأفراد في قوى الأمن"، وإيداعه كلّ الطلبات التي ترد في شأن الاستقالات وطلبات الإجازة من دون راتب".
كذلك، فإنّ صدى الخلاف سمع بين جدران وزارة الداخليّة وفي مكتب الوزير شخصيّاً، وأدّى الى إقالة مدير مكتبه وظلّه في وزارة الداخليّة، وصاحب اليد "الطائلة" في الوزارة المقدّم أيمن مشموشي بحجّة أنّ الأخير فضّل عثمان عليه، وكان عين عثمان بدل أن يكون العكس، بحسب ما تسرّب من معلومات.
وزاد الخلاف تفاعلاً في الأيام والأسابيع والأخيرة، وخصوصاً بعد شغور عدد من المراكز القيادية في مؤسسة قوى الأمن من دون اتفاق بين الرجلين على البديل، أضف إلى أنّ ضغط مولوي على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي دفع الأخير إلى استبعاد مدير عام قوى الأمن الداخليّ عن اللجنة الأمنية التي شكّلت في موضوع النازحين، وخصوصاً أنّ قوى الأمن هي المؤسسة التي تعنى مباشرة في الملفّ، وكان اليوم القرار المفاجأة الذي تمثّل بإعطاء مولوي إذناً بملاحقة اللواء عثمان، وذلك في جميع القضايا المرفوعة ضدّه في القضاء العسكريّ والقضاء العدليّ.
يشكّل قرار مولوي سابقة على هذا الصعيد، وخصوصاً في السنوات العشرين الأخيرة حيث كان الوزير والمدير العام من الخطّ السياسيّ نفسه، وينتميان إلى الطائفة السنّية، حتّى في الحكومات المناهضة للحريريّة، كان وزير الداخلية يقوم بحماية المدير العام لقوى الأمن الداخليّ، وهذا ما جرى فعليّاً في حكومات نجيب ميقاتي وحسّان دياب.
وفي السياق القضائيّ، هناك عدد من الدعاوى المقدّمة في حقّ مدير عام قوى الأمن الداخليّ يعود بعضها إلى عام 2021 حين ادّعى مفوّض الحكومة لدى العسكرية فادي عقيقي على عثمان، وأحاله أمام قاضي التحقيق العسكريّ فادي صوّان الذي عيّن جلسة للاستماع إليه في ملفّ منح رخص غير قانونيّة لحفر الآبار، ومنح أذونات بناء مخالفة، وحينها لم يحصل على إذن من وزير الداخلية محمّد فهمي، إضافة إلى ادّعاء من مدّعي عام جبل لبنان غادة عون على عثمان في جرم إعاقة تنفيذ قرار قضائيّ واتّهامه بمنع مفرزة الضاحية الجنوبية من معاونة القاضية عون في تحقيقات فتحتها في ملفّ الدولار المدعوم والصيارفة غير الشرعيّين.
وفي شباط 2022، ادّعت عون وبالجرم المشهود على عثمان، بتهمة إعاقة تنفيذ قرار قضائيّ هو مذكّرة إحضار حاكم مصرف لبنان في حينها إلى مكتبها لاستجوابه كشاهد، وهي الحادثة الشهيرة التي وثّقت نوعاً من الاشتباك بين دورية أمن الدولة وأفراد من قوى الأمن الداخليّ مولجين بحماية سلامة، إلّا أنّ مولوي رفض إعطاء الإذن وتوقّفت الملاحقة.
وبحسب القانون، يعني تحريك الإذن هذه الدعاوى جميعها، إلّا أنّه وبحسب المعطيات المتوافرة، فإنّ أيّ إجراء قضائيّ لن يأخذ مجراه إلى التنفيذ أو حتّى التبليغ، فالضابطة العدلية المولجة بالتبليغ هي تحت إمرة عثمان، وهي لن تستجيب لأيّ أمر في هذا الخصوص، كما أنّ الأذونات بحاجة إلى موافقة المدّعي العامّ التمييزيّ القاضي غسان عويدات الذي لن يستجيب أيضاً، وبالتالي يكون إذن الوزير غير قابل للتنفيذ.
وعلى الصعيد السياسيّ، يبدو أنّ العلاقة بين رئيس الحكومة ومدير عام قوى الأمن الداخليّ في تراجع مستمرّ، وهذا ما يفسّره عدم دعوة ميقاتي لعثمان إلى عدد من الاجتماعات الأمنيّة في السرايا الحكوميّ، بما يجعل عثمان غير مغطّى سياسيّاً، وهذا ما بدأ يثير تردّدات كبيرة وامتعاض ضمن الطائفة السنّية، وخصوصاً أنّ الطائفة تشهد تشرذماً كبيراً في غياب الرئيس سعد الحريري، وهو ما ظهر أيضاً في بعض ردود فعل من نوّاب وشخصيّات في الطائفة.
في السياق، سأل النائب وليد البعريني: "هل هكذا يُكافأ اللواء عماد عثمان، ابن مدرسة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بعد المسيرة الطويلة والمشرّفة في مؤسّسة الأمن الداخليّ، والعطاءات التي لا تُحصى، والتضحيات التي قدّمها لأجل لبنان؟"
وسأل وزير الداخلية عبر منصّة "إكس": "هل اتّصل برئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل اتّخاذه القرار وتشاور معه، أو إنّه اكتفى بالتواصل مع النائب جبران باسيل وسارع إلى تنفيذ تعليماته؟". وختم: "للأسف، يبدو أنّ بعض أبناء الطائفة السنيّة يستسهل طعن أبناء هذه الطائفة لاعتبارات خاصّة. وكأنّ هذه الطائفة ينقصها المآسي والغدر والطعنات!"
وتوقّعت أوساط سياسية تفاعل القضية سنّيّاً في الساعات المقبلة وصدور مواقف متّصلة، في حين تنشط الاتّصالات لتطويق انفجار الخلاف. وفي الموازاة، يجري البعض قراءات في استهداف عثمان تتخطّى الحدود.