الخميس - 12 أيلول 2024
close menu

إعلان

منطقة الأبيض المتوسّط على صفائح نشطة... رشا عامر لـ"النهار": تاريخنا يشهد على زلازل بقوّة 8 درجات وعلينا الاستعداد

المصدر: "النهار"
شواطئ البحر المتوسط
شواطئ البحر المتوسط
A+ A-
رولا عبدالله
 
تاريخ أسود صاخب بالزلازل تراكمه الصفائح التكتونية لمنطقة الشرق الأوسط منذ مئات الأعوام بما يجعل السيناريو الهوليوودي أشبه بفيلم رعب، إذا زادت شراسة الطبيعة على الإنسان، كأن يبتلع البحر المتوسط اليابسة بزلزال يأتي من جهة جزيرة كريت، فيبدّل الجغرافيا في الأجزاء الجنوبية والشرقية من البحر، وصولاً إلى مصر وليبيا ولبنان الذي يقع في الجهة الغربيّة منه. وهناك خطر مماثل يتربّص بالمنطقة من جهة البحر الميت، حيث الصدع الأخطر، لكون درجاته لا تقلّ عن ثمانٍ.
 
ومع ذلك، "علم الزلازل عند الله"، والإنسان مهما بلغ من معرفة ما يزال غير قادر على تحديد مكان وقوة الزلزال؛ وبالتالي، يمكن للكارثة أن تحصل غداً. والعزاء أنّ بلدنا ليس اليابان، حيث على المواطن أن يتأقلم مع زلازل دوريّة بقوة 7 درجات ونصف.
 
الباحثة السوريّة رشا عامر الحاصلة على دكتوراه في علم الزلازل من جامعة هيروشيما في اليابان، والمتخصصة في رصد الزلازل الكبيرة من خلال تسجيلات الزلازل البطيئة، والتي تشغل حاليّاً منصباً بحثيّاً في مجال التخزين الآمن لثنائي أكسيد الكربون بهدف التخفيف من الانبعاثات الغازيّة والتغيّرات المناخيّة في معهد أبحاث التكنولوجيا المبتكرة للأرض في مدينة كيوتو اليابانيّة، ماذا تقول عن إمكانية وقوع زلازل كبيرة وتوقيتها؟
 

تؤكد الباحثة السوريّة أنّ لا أساس علمياً أو دليلاً للتنبّؤ بالتوقيت الدقيق أو بموقع الزلزال المدمّر. وفي حين تنشط منطقة تركيا وسوريا ولبنان زلزالياً بسبب التفاعلات التكتونية المعقّدة بين الصفائح الأناضوليّة والعربيّة والأفريقيّة، فإنّ التنبؤ بزلزال دقيق في منطقة محدّدة، في غضون فترة زمنيّة قصيرة، يتجاوز حالياً قدرات العلوم الحديثة.
 
وتوضح بأننا لا نستطيع القول -على وجه اليقين- إن المنطقة "آمنة" بعد حدث زلزالي معيّن، من منطلق أن الأرض حررت طاقتها الدفينة؛ والدليل استمرار الهزّات الارتداديّة لسنوات عديدة بعد حدوث زلالزل كبيرة".
 
وتنبه إلى أن "النشاط الزلزالي معقّد ومستمرّ، ومن المهم أن نبقى مستعدّين لاحتمال وقوع أحداث مستقبليّة".
 
 
تضيف تعليقاً حول زلزال حماه: "تمّ تحديده على أنه حدث على صدع انزلاقي. هذا يعني أن الصفيحتين التكتونيتين تحركتا أفقياً بالنسبة لبعضهما البعض، مما تسبب بإزاحة طبقات الصخور واهتزاز الأرض. الحركة الأفقية هي السمة المميزة للصدوع الانزلاقية. عندما يحدث زلزال على صدع انزلاقي، فإنه يطلق جزءًا من الطاقة المتراكمة في الصخور بسبب الاحتكاك بين جانبي الصدع؛ وهذا الإطلاق للطاقة يخفّف من الضغط على الصدع موقتاً. لكن الزلزال قد يؤدي إلى إعادة ترتيب الإجهادات في الصخور المحيطة بالصدع، ممّا قد يسبب شيئاَ من عدم الاستقرار الموقت في المنطقة".
 
 
وتضيف:  "إنّ البيئة التكتونيّة للمنطقة وتاريخها يحكمان ما إذا كان الزلزال الواقع مقدّمة لشيء أكثر أهميّة. لذا، هذا أمر معقّد جدّاً، يلزمه الكثير من الدراسات ربما لسنوات طويلة".
 
وماذا عن الأصوات التي تسمع في عمق الأرض بعد زلزال حماه الأخير؟ تؤكّد: "لا تسبّب الزلازل بشكل عام أصواتاً بسبب حدوثها على أعماق كبيرة؛ لذا لا يمكننا سماع كلّ شيء يحدث في داخل الأرض. لكن يمكننا سماع أصوات تشقّقات أو أصوات من الأرض أثناء أو بعد الزلزال".
 
وما أخطر فالق في منطقتنا يمكن أن يؤدي إلى زلزال يتجاوز الـ7 درجات؟ تقول: "يعتبر صدع البحر الميت التحويلي The Dead Sea Transform (DST) أخطر صدع في الشرق الأوسط. هذا الصدع هو حدّ انزلاقي رئيسيّ بين الصفيحتين التكتونيتين الأفريقية والعربية. يمتدّ من البحر الأحمر في الجنوب، عبر البحر الميت، إلى منطقة بلاد الشام، بما في ذلك أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية. هذا الصدع قادر على إحداث زلازل كبيرة بقوة تتجاوز الـ7 درجات. تشير السجلّات التاريخيّة إلى أن هذا الصدع تسبّب بحدوث زلازل كبيرة في الماضي، بما في ذلك: زلزال لبنان عام 1202 (بقوة 7.6 درجات) وزلزال جبل لبنان عام 1759 بفارق عدة أشهر (بقوة 7.4 و7.0 درجات)".
وهزّ زلزال عام 1759 جزءاً كبيراً من منطقة شرق بحر الأبيض المتوسط، حيث تدمرت مناطق عدّة منها مدينة نابلس وعكا وصور وطرابلس وحماه، كما تضررت قرية رأس بعلبك ومدينة دمشق. وتوفيّ ما لا يقلّ عن 2000 شخص. ومن المحتمل أن تكون أحداث 1759 إلى جانب زلزال سوريا عام 1202 ، من أقوى الزلازل التاريخية في المنطقة.
 
تجدر الإشارة إلى أنّ لبنان يقع على مفترق ثلاث صفائح تكتونية: الصفيحة العربية والصفيحة التركية والصفيحة الافريقية، وهناك ثلاثة فوالق كبيرة هي اليمونة والروم وسرغايا.
 
 
 
عن رأيها بعالم الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس، تقول: "جميع علماء علم الأرض يتّفقون على أنّ الهولنديّ لا يمتّ إلى علم الزلازل بصلة، وأن لا أساس علمياً لما يقدّمه. والعلم هو فرض وتجربة وبرهان وليس احتمالاً وتنجيماً".
 
كريت واليونان
 
تحدد الباحثة عامر "منطقة البحر الأبيض المتوسط، لا سيما حول اليونان وكريت، منطقة نشطة زلزاليّاً بسبب التفاعلات المعقّدة بين الصفائح التكتونية الأفريقيّة والأوراسيّة. وتعد هذه المنطقة موطناً للعديد من الصدوع، وبعضها لديه القدرة على توليد زلازل كبيرة. وإذا حدث مثل هذا الزلزال تحت البحر أو بالقرب من الساحل، فقد يؤدّي إلى إزاحة كميّة كبيرة من المياه، وهو ما يستتبع حدوث تسونامي، قد يؤثر على البلدان الواقعة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك لبنان وسوريا وفلسطين؛ والبحر الأبيض المتوسط له تاريخ من أحداث تسونامي، بعضها كان بسبب الزلازل في اليونان وكريت، مثل زلزال كريت عام 365 م (قُدِّرت قوته بنحو 8 درجات) الذي تسبّب بحدوث تسونامي هائل دمّر السواحل الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك أجزاء من مصر وليبيا ومنطقة بلاد الشام. وفي مثل هذا الزلزال تتغيّر جغرافيا شواطئ لبنان الذي يقع غربي البحر المتوسّط. وهناك زلزال كريت عام 1303، وقد تسبّب بحدوث تسونامي أثّر على شرق البحر الأبيض المتوسط".
 
وعن احتمال حدوث تسونامي، ترجّح أن يتسبّب به زلزال كبير في اليونان أو كريت. وتقول: "على الرغم من أنّه نادر تاريخياً، لكنه خطير، وله آثار مدمّرة على الدول المجاورة من بينها لبنان. عام 365 م بلغت سواحل بيروت موجات تسونامي عالية، إثر زلزال جزيرة كريت الذي قدّرت شدته بأكثر من 8 درجات على مقياس ريختر. وبلغ ارتفاع موجات التسونامي عشرة أمتار، حيث نتجت أضرار واسعة في مناطق عديدة من العاصمة بيروت". 
 
 
وفي عام 1202 ضرب زلزال قوي الأراضي السورية وبلغت شدته الـ7.5 درجات، وأتت ارتداداته ساحقة على مناطق لبنانية عدّة عبر فالق اليمونة، ونتج عنه انخساف في السواحل وغرق العديد من الجزر الصغيرة التي كانت ممتدّة على طول الساحل اللبناني، ولم يبق منها سوى جزيرة الأرانب قبالة طرابلس، كما تدمرّت مدينة طرابلس وبعلبك وسقط أكثر من نحو 30 عموداً من أعمدة قلعة بعلبك، وسقط أكثر من مليون ضحية في لبنان وسوريا ومصر وأرمينيا وتركيا وجزيرة صقلية في البحر المتوسط، كما لحقتها موجة من المجاعة وانتشار الأمراض في المناطق المنكوبة.
 
وبالمقارنة مع التحصينات التي تعتمدها اليابان حيث تقيم الباحثة، تلفت إلى أن "الوعي العام بمخاطر الزلازل، والاستعداد لها، أساسي في المدارس وأماكن العمل والمجتمعات كلّ عام. ويجب تثقيف الناس بشأن ما يجب القيام به أثناء الزلزال".
 
 
 
وماذا عن تأثير القنابل العملاقة التي تلقيها إسرائيل في أرض غير مستقرّة من حيث تركيبة الصفائح؟
 
في هذا الجانب، لا ترى الباحثة عامر أيّ علاقة بين اهتزازات القنابل وتحريض الأرض لحركة زلزاليّة لكون الأخيرة تحصل في الباطن: "لا تتسبب القنابل العملاقة أو غيرها من الأجهزة المتفجّرة، التي تسقط على الأرض، بحدوث زلازل مدمّرة. فالزلازل ظاهرة طبيعيّة تنتج عن حركة الصفائح التكتونيّة تحت سطح الأرض، وتتضمّن إطلاق طاقة مخزّنة هائلة، تتجاوز بكثير ما يمكن أن تنتجه حتى أكبر المتفجّرات التي صنعها الإنسان".
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم