التضامن مع الحزب... هل يستغلّه ليعود إلى الداخل؟

لم يكن غريباً على اللبنانيين أن يظهروا الدعم والتضامن أمام هول المجزرة التي حلت بلبنان على مدى يومين متتاليين بفعل الهجوم الإسرائيلي الأخير، الذي أدّى إلى سقوط ٢٠ شهيداً ونحو ٤ آلاف جريح. وقد تجلّى هذا التضامن إنسانياً وإغاثياً ومعنوياً. ولكن ماذا عن ارتدادات تلك العمليات على المشهد السياسي، ومواقف القوى السياسية، التي تراوحت ما بين التضامن الكليّ أو التحفّظ والاعتصام بالصمت احتراماً للمشهد الدامي غير المسبوق.
 
قد يكون أصدق تعبير عن حال الترقب السياسي ما قاله رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، بأن "الوقت ليس للحكي"، أو ما قاله رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبرأن باسيل بأن "ما حصل هو اعتداء على كل لبنان وليس على حزب أو طائفة فيه"، وأنه "في الظرف الصعب نقف مع بعضنا البعض فكلٌّ منا معرض للاعتداء من الخارج". ولكن ما صرح به الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط طرح في مضمونه، وبقطع النظر عن الموقف المتضامن والداعم لحزب الله، المأزق السياسي الذي تقع فيه البلاد مع انكشافها على كلّ احتمالات الحرب وتداعياتها، إذ رأى أنه "لا يجب تحميل الحكومة ما لا تستطيع؛ فعندما يُعطّل بعض الأفرقاء في لبنان عملها، ويرفضون انتخاب رئيس. وعندما يتم تعطيل حكومة ميقاتي من الداخل اللبناني، فإن هذا الأمر تآمر على الحكومة". وكانت لافتة دعوة جنبلاط إلى ما وصفه بـ "الثنائي المسيحي ليتفق ويتصارح ثمّ يقوم بالتسوية، فأيّ ثنائي لا يستطيع أن يفرض مرشحاً للرئاسة، فالتسوية هي السبيل لانتخاب رئيس".
 
يقود كلام جنبلاط إلى عمق الأزمة الداخلية القائمة على تعطيل تتقاذف مسؤوليته قوى الممانعة والمعارضة، فيما جاء المضيّ الأعمى للحزب في انخراطه الكبير في المواجهة مع إسرائيل ليكرّس حال الانقسام الداخلي ويزيد من إصرار كل فريق على التشبّث بموقفه.
فالأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله، وبالرغم من تثمينه التضامن الوطني، أو اعترافه -ربما للمرة الأولى- بقوّة العدو الإسرائيلي، وتفوّقه العسكري، أو بأن الضربة كأنت كبيرة جداً؛ وهذا الكلام قبل الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية واستهداف القيادي العسكري في الحزب إبراهيم عقيل ، لم يتراجع عن استراتيجية حزبه القائمة على دعامتين: الأولى أن لا وقف للنار على الحدود الجنوبية قبل وقفها في غزة، والثانية أن لا عودة لسكان الشمال إلى مستوطناتهم، ممّا يقود إلى القول بأن زخم التضامن لن يدوم طويلاً، لتعود القوى المعارضة للحزب إلى معارضتها، على نحو لا يشي بأنّ ثمة ثغرات، يمكن الولوج منها إلى ما سمّاه جنبلاط تسوية تثمر انتخاب رئيس للجمهورية. فلا كلام اليوم في الاستحقاق الرئاسي أو في حوار يدفع نحوه رئيس المجلس، بل قلق وترقب للنهاية التي تخطها إسرائيل للحرب المفتوحة، انطلاقاً من أنها باتت صاحبة المبادرة، بعدما استدرجت الحزب في الثامن من أكتوبر الماضي إلى فتح الجبهة الجنوبية تحت هدف إسناد غزة، لتتحول اليوم الساحة الجنوبية والعمق اللبناني في الضاحية الجنوبية للعاصمة إلى جبهة قائمة بحدّ ذاتها، ولا بدّ من أن يكون التعامل معها على هذا الأساس.
 
يبقى التعويل لدى خصوم الحزب بأن يحول الأخير الضربات الأخيرة إلى مخرج يعيده إلى الداخل، أو أن يشكل ربط جبهة الجنوب بغزة مخرجاً كذلك لأيّ تسوية دولية تقودها واشنطن عبر المفاوضات الجارية بين الجانب الإسرائيلي وحركة "حماس".
 
Sabine.oueiss@annahar.com.lb