مكان الغارة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (تصوير حسام شبارو).
القنابل الإسرائيلية والصواريخ الموجَّهة نحو قادة عسكريين أساسيين في "حزب الله" منذ أشهر، غيّرت سريعاً في خاصيّة اللهيب الحربيّ الذي تحوّل في جزء منه استهدافاً باتّجاه أشخاص شكّلوا أكثر المقاتلين خبرةً وقدرةً على خوض المعارك الناشبة. لا يمكن الاستهانة في ما تلحقه الأسلحة الجويّة الإسرائيلية بـ"حزب الله"، بدءاً من مستويات محور "الممانعة" التنظيمية والعسكرية خصوصاً أنّ غالبية الذين يموتون في الغارات اللاذعة هم من القادة العسكريين الذين عاصروا مرحلة "حزب الله" التأسيسية وكان لهم حضورهم في التدريب ومواكبة القدرات التنظيمية، فيما هناك استفهامات مطروحة على مستوى لبنانيّ معارض لمحور "الممانعة" حول إن كان في إمكان المقاتلين البدلاء أن يتولّوا متابعة خوض الاحتدام الحربيّ ضمن الخبرات الممكنة، خصوصاً أنّ الوضع ينذر باشتعالٍ أكثر نشوباً، إضافةً إلى إبقاء الجيش الإسرائيلي على اتباع استراتيجية الخرق، وهي استراتيجية قد تفاقم حجم الإرباك على مستوى "حزب الله" في زحمة الاستفهامات المتداولة حول إمكان وجود ثغرات مساعدة على الاستهداف السريع لقادته العسكريين الأساسيين. ويضاف إلى الأسباب التي جعلت التحديات التي تواجه "حزب الله" أكثر تزاحماً في ضراوة الضربات الحربية التي لم يكن هناك من ترتيب للكيفية الممكنة للتعامل مع تبعاتها مجتمعياً، مع تفاقم مظاهر التهجير والحاجة للاستشفاء خصوصاً مع اضمحلال إمكان التوصّل إلى هدنة في المرحلة الحالية.
الأكيد أنّ استهداف إسرائيل لقادة مقاتلين أساسيين في "حزب الله"، سيجعل هناك متغيّرات تخفّض من قدراته العملانية على الأرض حتى إن لم تلغيها، فيما إنه لا يزال ينظّم هجمات يشنّها نحو الداخل الإسرائيلي. لكن لا ترجيح في استطاعة البدلاء من مقاتلي "حزب الله" أن يتلقّنوا تلقائياً وببساطة قدرات القادة الذين اغتيلوا، وذلك بحسب ملاحظات متناقلة على مستوى مراقب معارض لـ"حزب الله". في غضون ذلك، ثمة تأكيد إسرائيلي على هدفٍ فحواه ضرب قدرات "حزب الله" واغتيال قادة معاركه، فإذا بالجيش الإسرائيلي يشنّ غارات جويّة غالبيتها في جنوب لبنان بعد رفض إسرائيل مقترح التوصل لهدنة مع "حزب الله"، رغم المساعي الدولية التي حاولت التهدئة. من ناحيته، أبقى "حزب الله" على توجيه عتاده باتجاه إسرائيل رغم الإرباك الذي عرفه في الأيام الماضية.
من ناحيته، يقول الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد سعيد قُزَح لـ"النهار" إنّ "إسرائيل تعمل على استهداف قوّة "حزب الله" البشرية والعسكرية واللوجستية والمالية وتجفيفها حيث يتبلور استهدافها لقادة "حزب الله" العسكريين ضمن استراتيجية لضرب قوّة منظومة "حزب الله" والقوّة المحرّكة لكلّ القطاعات داخله شمولاً في قوّته الهجومية وزعزعة عمل المسيّرات الخاصّة به وملاحقة قادته والرؤوس المحرّكة على الأرض". ويردف أن "الضعضعة حاضرة عند الاغتيال، لكن لدى "حزب الله" قدرات بشرية كبيرة مع تحضيره للبدلاء. عند مقتل أحد القياديين أو تحييده يمكن للبديل أن يتابع المعركة".
ويضيف: "إنّ "حزب الله" هو حزب عقائدي عسكريّ وكلّ مقاتليه هم من المدرّبين والقادرين على استلام مراكز قيادية رغم أنّ طريقة العمل قد تتغيّر عند تغيّر القادة العسكريين لكنّ البديل حاضر دائماً". وبحسب انطباعات سعيد قُزَح، "إذا كانت إسرائيل تسعى لأن تقضي على القدرات القتالية لـ"حزب الله" لا بدّ لها من حرب الاستنزاف الحاصلة والحرب الجويّة، والاستهدافات الخاصّة بأشخاص ومراكز القيادة والسيطرة ومقرّات مخازن الذخيرة ومنصّات الصواريخ والأنفاق التي تعتقد إسرائيل أنها حاوية لصواريخ، فيما لا بدّ من متابعة إسرائيلية طويلة حتى تستطيع إضعاف قدرات "حزب الله" ذلك أنه لا يزال لديه حالياً الكثير من القدرات".
ثمّة تنويهٌ على مستوى الإعلام الإسرائيلي لناحية ما استطاعته تقنيات التكنولوجيا التي تستعملها الاستخبارات الإسرائيلية لاستهداف قادة مقاتلين أساسيين في "حزب الله" كانوا عملوا على إطلاق "جبهة الإسناد" وشاركوا في المعارك الحربية الناشبة، فيما كان لاغتيالهم تأثيراً على تغيير ميزان القوى. رغم ذلك، هناك ترجيحات ذات طابع عسكري إسرائيلي في أنّ لا يزال لدى "حزب الله" قدرة على تلقّي الضربات وأنّ لديه الكثير من الانماط الهجومية ما يجعل المواجهات الناشبة على حالها الآن.
لبنانيّاً، هناك من يفسّر على مستوى مراقب متضلّع من الترتيبات العسكرية التي تتخذ في الفرق العسكرية النظامية ضمن الدول أو غير النظامية التابعة لميليشيات أو أحزاب، أنّه عادةً ما يكون هناك بدلاء عن الذين اغتيلوا، لذلك رغم قساوة الخسارة التي تعرّض لها "حزب الله" فإنه سيضع بدلاء. وقد لا تستطيع إسرائيل معرفة من هم البدلاء عن الذين اغتيلوا بسهولة، فيما ثمة من لا يغفل أنّ مقتل قادة "حزب الله" الأساسيين في المواجهات مع إسرائيل سببه الخطأ الذي ارتبكه "حزب الله" عند اشتراكه في الحرب السورية فإذا به كشف أوراقه حينذاك. حاليّاً، إنّ ما تقوم به إسرائيل من قصف لمختلف المراكز التي تشتبه في أنها تستعمل كمنصّات عسكرية خاصة بمقاتلي محور "الممانعة"، سيؤثر بطريقة ما على قدرات "حزب الله" من دون أن يلغيها. في المحصلة، رغم خسائر "حزب الله" التي تفوق خسائر الجيش إسرائيلي، لكن خصوم محور "الممانعة" لا يستهينون في ما لا يزال لدى "حزب الله" من عتاد وعديد ومخزون كبير من الأسلحة التي يمكن أن يستخدمها، فيما إنّ مقياس التأثيرات الأكثر ضراوة التي يمكن أن يعانيها "حزب الله" سيحدّد في حال بقيت المعارك المشتعلة ناشبة في أشهر لاحقة.