خرق "حزب الله"... دور محوري للذكاء الاصطناعي وسوريا ميدان الانكشاف

منذ العام 2006، صبّت المخابرات العسكرية في إسرائيل تركيزها على جمع المعلومات عن "حزب الله" وقادته، بدءاً من الأمين العام حسن نصرالله مروراً بكافة قيادات الحزب العسكرية وصولاً إلى العناصر، وأثمر جهد عقدين من الزمن اغتيال معظم القيادات وعدد كبير من العناصر، وعلى رأسهم نصرالله، منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وحتى 27 أيلول (سبتمبر) 2024.

عوامل عديدة لعبت في صالح إسرائيل مكّنتها من جمع المعلومات الدقيقة عن قادة "حزب الله"، منها التطور التكنولوجي الذي كان شبه معدوم في حرب تمّوز (يوليو) 2006، والذي استفادت منه إسرائيل بشكل كبير لبناء خريطة خوارزميات مليئة بالمعلومات عن الحزب، وباتت "الوحدة 8200" في المخابرات العسكرية أهم وحدات الجيش الإسرائيلي، إلى جانب "الوحدة 9900".
 
في هذا السياق، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريراً يتحدّث عن الخرق الذي تمكّنت المخابرات العسكرية الإسرائيلية من تحقيقه في "حزب الله"، إذ جمعت إسرائيل كميات هائلة من البيانات عبر "الوحدة 9900" المتخصصة، التي تكتب خوارزميات وتقوم بفرز تيرابايتات من الصور البصرية للعثور على أدنى التغييرات.
 
ومن خلال هذه المعلومات، تتابع المخابرات العسكرية أنماط حركة عناصر "حزب الله" اليومية في قاعدة بيانات ضخمة استُخرجت من أجهزة قد تشمل هاتف زوجة المستهدَف، أو عدّاد سيارته الذكية، أو موقعه. يمكن الحصول على هذه المعلومات من مصادر متنوعة، مثل طائرة مسيّرة تحلق فوقه، أو من البث المخترق لكاميرات المراقبة التي مرّ فيها، أو حتى صوته الذي التقطه ميكروفون جهاز التحكم عن بُعد للتلفزيون الذكي، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين.
 
أي انحراف عن الروتين اليومي لهذا العنصر يطلق إنذاراً للاستخبارات للتدقيق فيه، وهي تقنية سمحت لإسرائيل بتحديد قادة الوحدات المتوسطة في فرق مضادة للدبابات مكونة من اثنين أو ثلاثة مقاتلين الذين كانوا يزعجون القوات الإسرائيلية عبر الحدود. في إحدى المراحل، راقبت إسرائيل جداول القادة الأفراد، لترى ما إذا تمّ استدعاؤهم فجأة استعداداً لهجوم، وفقاً لما ذكره أحد المسؤولين.
 
المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر طبش يشرح آلية الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ويُشير إلى أن جمع المعلومات يتم عبر ما تم ذكره سابقاً، ويتم بعدها توحيد البيانات وتحليلها عبر الذكاء الاصطناعي الذي يُعطي نتائج دقيقة بسرعة تفوق بـ1000 مرّة سرعة القدرات البشرية، فيحدّد الأهداف والأولويات، ويكون هامش الخطأ محصوراً بـ 10 في المئة كحد أقصى.
 
الاعتماد على العامل البشري، أي العملاء، تراجع كثيراً مقارنة بما كان عليه الحال في حرب 2006، حين كان الاتكال عليهم لجمع المعلومات أكبر، ويستذكر طبش عمليات الكشف عن العملاء التي حصلت حينها، ليقول إن دور العنصر البشري انحسر لصالح الذكاء الاصطناعي، وهامش الخطأ انحسر مع هذا الانتقال.
 
لكن يبقى السؤال عن قدرة الذكاء الاصطناعي في خرق قيادات الصف الأول، كنصرالله وفؤاد شكر، ومن المفترض أنهم محصّنون ضد الخرق ولا يستخدمون الأجهزة الإلكترونية. في هذا السياق، يؤكّد طبش عدم قدرة الذكاء الاصطناعي على رصد قاعة اجتماعات قيادة "حزب الله" عشرات الأمتار تحت الأرض، حيث الإرسال معدوم، ويرجّح دور العملاء في كشف المعلومات لإسرائيل.
 
لكنه في الوقت نفسه يطرح علامات استفهام بشأن خروقات حصلت كان بإمكان "حزب الله" منعها، كالاغتيالات التي حصلت في طوابق عليا من مبان، ويلفت إلى أن ثمّة تقنيات وأجهزة تجارية يُمكن للحزب أو لأي شخص الحصول عليها عبر AliExpressللتشويش على أي محاولات خرق، ومن المستغرب أن الحزب لم يحصّن نفسه، مع العلم أنّه كشف عن معدّات تشويش ضد المسيّرات.

العامل الآخر الذي كان له وقع كبير في كشف "حزب الله" وتوفير المعلومات للمخابرات العسكرية الإسرائيلية هو مشاركة الحزب في الحرب السورية، حيث تعرّض لانكشاف أمني خطر يُجمع عليه الخبراء الأمنيون، بعدما اضطر الحزب لمشاركة معلوماته مع الجيش السوري والمجموعات الإيرانية والعراقية والقوات الروسية وغيرها، إضافة إلى أن سوريا كانت ميداناً لأجهزة مخابرات دولية حليفة لإسرائيل.
 
الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد خالد حمادة يرى أن الخرق بدأ في سوريا، حينما شارك الحزب في الحرب، فكان منظّمة مضبوطة ممسوكة بشكل محكم، وصار بعدها مفتوحة ومتمدّدة بسبب المراكز التي شيّدها والعناصر الأجنبية (مع وجود أكثر من 90 جنسية في سوريا) التي جندها والمجموعات التي تعامل معها وكانت مخترقة، وتمكّنت إسرائيل من اختراقه.

وفي حديث لـ"النهار"، يرى حمادة أن "حزب الله" غير قادر على مجاراة إسرائيل لجهة التطوّر التكنولوجي، وذلك بسبب التفوق الإسرائيلي والدعم الخارجي، مذكّراً بالقواعد البريطانية في قبرص والتي تُساعد في التشويش.
 
ويتطرّق حمادة إلى العنصر البشري، وبرأيه، لم يعد يؤدي أدواراً كبيرة، وبات دوره "تأكيدي لا يقبل الشك"، فيما الدور الأهم هو للذكاء الاصطناعي وقدرته علىجمع المعلومات وتحليل البيانات وإعطاء النتائج.
 
في المحصّلة، فإن جهد الخرق الاستخباراتي الذي قام على الذكاء الاصطناعي بدأ بعد حرب 2006، وتكثّف مع دخول "حزب الله" الحرب السورية حينما استفادت إسرائيل بشكل كبير من مشاركته المعلومات مع مجموعات أخرى، وطهرت نتائجه على أرض الواقع بعد 8 تشرين الأول (أكتوبر).
 
jadfayyad1147@gmail.com