النهار

طارق طيّاح كان الأب والأم بعد رحيل هالة... ابنتهما تمارا: "ماذا فعلتُ لأستحق كلّ هذا؟"
المصدر: النهار
طارق طيّاح كان الأب والأم بعد رحيل هالة... ابنتهما تمارا: "ماذا فعلتُ لأستحق كلّ هذا؟"
هالة وطارق طيّاح.
A+   A-
معاناة جديدة مكتوبة بالدم أنهت حياة شابّين لبنانيين، شادي كريدي وطارق طيّاح، اللذين عاشا مرارة الخسارة وذاقا موت أقرب الناس، انضمّا إلى قافلة الموت بوجع وأسى. كيف يمكن لعقل أن يستوعب هذا الموت الذي يتربّص بحياة عائلتين ملتاعتين من خسارة أم وشقيق؟ كيف يمكن للقلب أن يتحمّل خسارة جديدة ويتماً آخر؟
 
تمارا طيّاح، ابنة الضحيّة هالة طيّاح، تعيش مرارة اليتم مرة أخرى بوجه قاسٍ بعد وفاة والدها طارق طيّاح الذي قضى في حادث تحطم المروحية في إيطاليا. هي التي تتساءل عبر صورة نشرتها "أبي أحبك كثيراً، لستُ أدري ما فعلت كي أستحق كل هذا. ارقد بسلام يا أبي، أحبك كثيراً".
 
تمارا، أنتِ لم تفعلي شيئاً لتستحقي هذا الوجع، كما لم يفعل شقيقك طارق وشقيقتك تيا-ماريا شيئاً ليستحقا كل هذا الألم والبكاء، ولكن الحياة ظالمة وقاسية من دون أن نعرف حكمتها، صحيح أن روحيهما اجتمعتا في السماء، بعد فراق سنتين، إلا أن غيابهما اليوم خلّف وراءه 3 قلوب مكسورة، يتيمة، مفجوعة بعد أن فقدوا سندهم في الحياة.
 
هو القدر، هو الموت العبثي بوجه آخر، مقنّع وموحش يخطف طارق طيّاح من حضن عائلته، بعد أن كان كما تؤكد صديقة مقرّبة من العائلة لـ"النهار": "السند بعد وفاة زوجته هالة في انفجار مرفأ بيروت، كان الأم والأب بعد وفاة شريكة حياته، سعى جاهداً لأن يكون قريباً من أولاده بعد أن فقدوا والدتهم، حتى اضطر إلى إلغاء رحلات عدة حتى لا يتركهم كثيراً".
 
لم تجفّ بعد دموع هذه العائلة على رحيل هالة حتى وقعت الفاجعة بوفاة طارق، خبر يصعب على العقل تصديقه، لا يمكن للحياة أن تكون مجحفة وقاسية إلى هذه الدرجة لكنها كانت كذلك مع طارق وهالة وأولادهما.
 من رحلة عمل إلى مأساة، من الموت براً إلى الموت جوّاً، لعنة الموت تلاحق هذه العائلة التي تتشح بالسواد بعد أن حكم المجرمون بالموت على العشرات في مرفأ بيروت، ليحكم الموت مجدّداً على 7 ركّاب على متن المروحية في إيطاليا.
 
 
لم يكن طارق يعرف أن الفيديو الذي أرسله لابنه طارق وهو على متن المروحية سيكون الذكرى الأخيرة له ولشقيقتيه، وأن ضحكته ستكون آخر ما سيشاهدونه من والدهم الذي قضى نحبه في إيطاليا بحادث مأسوي. طارق الذي كان يسافر كثيراً عندما كانت زوجته هالة على قيد الحياة، رفض بعد وفاتها السفر كثيراً حتى يبقى الى جانب أولاده ويمضي وقتاً أكبر معهم، إلى أن خطفه الموت بطريقة غريبة.
 
لحق طارق بزوجته هالة من دون أن يحاكم المسؤول في جريمة المرفأ، وخريطة لبنان التي صنعتها هالة اليوم بقيت هنا ترمز الى وطن يصارع المجهول. لم تترك تمارا حب والدتها للبنان، بل حملتها في قلبها وقدّمت مجوهرة الخريطة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما زار لبنان. لكن تمارا لم تتوقع أن تعيش مرارة الحياة وظلمها مرة جديدة، وأن يأتيها الموت من إيطاليا ليخطف والدها بعدما خطف والدتها في بيروت. القلب لا يحمل أثقالاً أكثر، والخوف على الجدّة التي تهتمّ بهم وما سيخلفه هذا الخبر من صدمة على قلبها المحطم.
 
وكانت مجموعة "اندفكو الصناعيّة" قد نعت للبنانيين وللقطاع الصناعي علميْن من أسرتها العاملة ومن مديريها التنفيذيين طارق طيّاح وشادي كريدي، فقدتهما عائلتهما الصغيرة والكبيرة ومحبّوهما الكثر في حادث مأسوي تعرّضا له وهما في رحلة عمل في إيطاليا.
طارق من مواليد عام 1962، كان قد انضم إلى المجموعة منذ تخرّجه من الجامعة الأميركيّة حاملاً شهادة بكالوريوس في إدارة الاعمال عام 1985، ومتنقلاً في العديد من المهام في إدارة المصانع والمشتريات العامّة، ليتولّى مسؤوليّة إدارة المشتريات التقنيّة العامّة للمجموعة منذ عام 2020.
 
 
 
أما شادي فمن مواليد عام 1975، انضم إلى المجموعة عام 2005، يحمل شهادة ماجستير في الهندسة الميكانيكيّة وأخرى في الإدارة الهندسيّة من جامعات باريس. خدم في فروع شركات "اندفكو" في لبنان والخارج، إلى حين تولّيه مسؤوليّة الإدارة العامة في واحدة من شركات مجموعة "سانيتا" منذ عام 2018.
وكان الاتصال قد انقطع بهما يوم الخميس بعيْد إقلاع طائرة مروحيّة بهما مع آخرين في رحلة عمل من مطار تينيغانو في إيطاليا لزيارة مصنع في مودانا إثر انتهاء مشاركتهما في معرض دوليّ سنويّ للصناعات الورقيّة في منطقة لوكا.
 
بعدها بدأت أعمال البحث عند تسجيل غياب المروحيّة عن شاشات الرادار أثناء تحليقها فوق منطقة غابات كثيفة جبليّة ووعرة في شمال وسط إيطاليا، وإثر تغيّر دراماتيكيّ غير متوقّع في أحوال الطقس الذي تحوّل سيّئاً وعاصفاً، لتستمرّ حتى يوم السبت كاشفة عن الحدث الفاجعة.
 
إنّها التراجيديا اللبنانيّة التي تلاحق العاملين من أجل وطن منتج ومبدع رغم كلّ شيء، فتطيح بروّاد ليبقى الحلم.
فعائلة طارق طيّاح - من بلدة غزير في قضاء كسروان - الفتوح وزوج هلا مصمّمة المجوهرات المبدعة، الأب لشاب وصبيتيْن - لم تسلم من فاجعة فقدان الأم في انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب المشؤوم، لتعود وتفقد الوالد في سقوط طائرة المروحيّة في إيطاليا.
 
وعائلة شادي كريدي، من بلدة العاقورة في قضاء جبيل، متأهّل وأب لأربعة أطفال، سبق أن فقدت شقيقه في ريعان شبابه منذ سنة ونيف في حادثة انقلاب جرّار زراعي عليه، لتعود وتفقد شادي في سقوط طائرة المروحيّة في إيطاليا.
 
ليس سهلاً على عائلة طارق وشادي وعلى عائلة "اندفكو" خسارتهما. ففي الغياب من الوِحشة ما هو هائل، ومن اللوعةِ ما هو عظيم، ومن الأسى ما يجعل القلب مكسوفاً مهزوماً مغلوباً مقهوراً وليسَ من عزاء.
الراحة الأبدية امنحهما يا الله. أسكنهما جوارك، واجعل في قلوب عائلتيْهما الصغيرة والكبيرة نعمة الصبر والسلوان، والسلام لدى كافة اللبنانيين.


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium