الأربعاء - 03 تموز 2024

إعلان

145 عاماً... مقاصد

المصدر: "النهار"
جمعيّة "المقاصد".
جمعيّة "المقاصد".
A+ A-
المهندس بسّام برغوت*


المكـــــان: بيروت
التــــاريخ: غرة شعبان
1295 هـ / 1878 م.
الموضوع: المحافظة على الهويّة والعقيدة

غُرّة شعبان، ليس مُجرّد يوم عادي من أيام السنة الهجرية، عند المسلمين. إن شهر شعبان هو من الأشهر الحُرم، وهو شَهر الاستعداد الروحي لاستقبال رمضان الكريم الذي أُنزل فيه القرآن هُدى للناس. وهدى الناس يكون بالتربية والتعليم وسيلة وأداة.

وعام 1878 لم يكن كذلك مجرّد عام عادي عند المسلمين اللبنانيين. في ذلك العام كانت البعثة الإنجيلية الاميركية قد أرست الحجر الأساس لما أصبح في ما بعد "الجامعة الأميركية في بيروت". ثم لحقت بها البعثه الكاثوليكية الفرنسية التي سارعت الى إرساء الحجر الأساس للجامعة اليسوعية "جامعة القدّيس يوسف". ولذلك كان طبيعياً أن يتساءل المُسلمون اللبنانيون: وماذا عنّا؟ ماذا نحن فاعلون؟

طَرَحت هذا السؤال مجموعة من رجالات بيروت. ليس رفضاً للمبادرتين الأميركية والفرنسية، بل اقتداءً بهما. وكان اقتداءً متوافقاً مع المحافظة على الهويّة العربية وعلى العقيدة الإسلامية. فكانت المقاصد. وكان ذلك في غُرّة شعبان. وكان في بيروت.

منذ ولادة لبنان الكبير في عام 1920، وحتى قبل ذلك، كانت بيروت مدينة استثنائية، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي الهام، ولكن بسبب ثقافة أهل الثغور التي تكوّن شخصية أهلها. وهي ثقافة المرابطين في الخطوط الأمامية للدفاع عن الهويّة المتأصّلة في أهلها لمواجهة الحملات المنطلقة من وراء البحار.

ولكن هذه المرة، كانت الحملة علمية وثقافية، وإن كانت تحت مظلة دينية (إنجيلية وكاثوليكية). لم يجد البيارتة في ذلك أيّ غَضاضة. فالإسلام يؤمن بالمسيحية رسالةً من عند الله. والمسلمون متعطشون للمنابر العلمية الحديثة والثقافية الانفتاحية. ولكن في الوقت ذاته لا تستطيع أيّ من المؤسستين الجديدتين أن تُعطي ما ليس عندها. وهو أن تُعلّم الإسلام والعربية. ولذلك يجب أن يكون هناك من يستطيع ذلك، ومن هو قادر على ذلك، فكانت المقاصد. وكانت ولادتها استجابة لهذه الغاية النبيلة بأبعادها الإسلامية والقومية والوطنية.


منذ ذلك الوقت، أي منذ 144 عاماً، أصبحت المقاصد ركناً أساسياً من أركان التربية والتعليم في لبنان. وعندما أُسِّستْ أول مدرسة، كانت المدرسة للبنات حصراً. وكانت مُديرة المدرسة سيدة فاضلة من سيدات لبنان المسيحيات. وكانت تلك المدرسة بمثابة حبّة القمح التي أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة أينعت ثمارها المباركة مدارس ومعاهد تعليمية من عكّار في الشمال حتى جبل عامل في الجنوب، مروراً بالبقاع. وكانت هذه الثمار علماً وتربية وثقافة وطنية وإيمانية.

لم تولد المقاصد كرد فعل. وُلدت تعبيراً عن إرادة متكاملة الأركان إسلامياً وعربياً ولبنانياً. ردّ الفعل لا يستمرّ ولا يثمر. الإرادة هي التي تعطي، وهي التي تتجذر في أعماق أرض الوطن. وقد أنجبت المقاصد قوافل من العلماء والمفكرين والإداريين بيننا الذين رفعوا راية الوطن وأحسنوا إدارة الشأن العام.

وإن كان تاريخ بيروت حافلاً بسلسلة طويلة من الإنجازات التي تعتز بها كل مدينة، وكل عاصمة، فإن المقاصد هي درّة تاج هذه الإنجازات المستمرة منذ 145 عاماً. حتى بدا كأنّ هناك تماهياً بين بيروت والمقاصد.

اليوم تبدأ المقاصد العيد الخامس والأربعين بعد المئة. لا يتسع قالب الحلوى لغرز 145 شمعة للاحتفال بالمناسبة. ولكن القلب يتسع... للمزيد.. إن شاء الله.

ففي ذكرى تأسيسها نتوجّه بالتحيّة والعرفان بالفضل الى الآباء المؤسّسين، مؤكدين الالتزام برسالة المقاصد من أجل لبنان أفضل.


*عضو مجلس الأمناء في المقاصد


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم