الإعلام الإلكتروني اللبناني: من تحديات الواقع إلى رهانية المستقبل

الدكتور جورج كلّاس*


تحصيناً لدور الإعلام الالكتروني وفاعليته، سيكون من المفيد إبداء بعض المقترحات التقويميّة التي من شأنها ان تعزّز فرص إنجاح الخطوات المأمولة، التي يجب اعتمادها في سبيل تركيز الإعلام الإلكتروني اللبناني، وتمكينه من مواكبة التطوّر اللّحظويّ لوسائل الاعلام، وتوسّع دورها المعرفيّ، على صعيد رصد الأخبار والتحقُّقِ من عناصرها وزمنية وقوعها ومدى نفعيتها، قبل تعميم المعلومات ولحظوية نشرها وبثّها.

إن فكرة البحث عن طبيعة الإعلام الالكتروني ودوره كإعلام متخصّص له قواعده وفنونه وتوجُّهاته هو أمر غير مسبوق بطرحه وبما يحمله من إشكاليّاتٍ رهانيّة جادّة، يشكِّلُ خطوةً متقدّمة وارتقابيّةً لرسم مستقبلٍ مرموق للإعلام الالكتروني اللبناني، الذي لا يزال يتخبّط في حالة فوضويّة موصوفة، على صعيد التنظيم والهيكليّة والقوْنَنَة ومشاعية التأسيس بلا ترخيص ولا رقابة، اضافة الى متطلبات التحصين والتمكين وإغنائه بالمواد التي توافق ثلاثية:
المصدر؛ كمنتجٍ خام قابلٍ للتصنيع والترويج .
المُصنِّع؛ كإعلامٍ ذي خصوصية له زبائنه وشروطه وتقنياته التعبيرية الخاصة.
المستعلم: الباحث والمغرِّد والمدوِّن والذي غالبا ما يكون ضحية افتراضية لوسائل التواصل.
إنَّ الهدف الرئيسي من تسليط الاهتمام على تأثيرية هذا الإعلام، هو تلمُّسُ خطر عدم وجود قوانين ناظمة لهذا النوع من الإعلام الشعبي والتواصل الإجتماعي، فضلاً عن الرغبة الأكيدة في تحصين دوره وتفعيل وظيفته، والتشديد على فعالية مضامينه ذات التأثير القويّ والسريع بين الناس، والعمل لتهيئة أرضيّة صالحة، لجعل هذا النوع الإعلامي يتّصف بالجودة والتحديث، ويستجيب لمتطلّبات المُعْلِمينَ والمُسْتَعْلمينَ، ويكون على مستوى الثقة والرصانة التي تنتظم أحوال الإعلام الكلاسيكي وطبيعته وسلوكاته بأنماطه المكتوبة والمُذاعة والمتلفزة.

والاهتمام الكبير لمراكز البحوث بتقويم الإعلام الالكتروني يشجع على بناء آمالٍ واسعة على جهود المبادرين، وسعيهم للإرتقاء بالإعلام الالكتروني اللبناني الى مراتب أفضل، مواكبةً للرياديّة اللبنانية في مجال صناعة المعرفة وتأسيس الصحافة، واستخدام الكلمة والصورة وتوظيفاتهما في عملية نشر الوعيّ والتثقيف الدائم.

وإذا كانت بعض الآراء المتخصصة تشدد على وجوب الاسراع بوضع خطّة لقَوْنَنة الاعلام الالكتروني وتشريعه والاعتراف به، وجعله وسيلةً تواصلية معتمدة وحرّةً ومحميَّة ومُصانة، فإنّ المأمول ان تتواصل عملية متابعة تقويم الطروحات وتحقيق افكارها، من أجل تأسيس إعلام إلكتروني حديث ذي مواصفات عالية، ويتّصف بالصلابة والثقة.
فلبنان الذي كان رائداً في تأسيس الصحافة الورقية، وفاعلاً رئيسياً في عصر النهضة، ومحور الحركة الفكرية العربية الحديثة، لا يزال إعلامه الالكتروني من دون هويّة قانونية، بمعنى خلوّ قانون الاعلام من أي مواد تتعلّقُ بالتشريعات ذات العلاقة بتنظيم الاعلام الالكتروني، وتحديد مسؤولية وحقوق المشرفين عليه والعاملين فيه، فضلاً عن المسؤولية الاجتماعية والقانونية التي تترتّب على نتائج الخدمات التي يقدّمها وجودتها.

أولاً: في واقع الاعلام الالكتروني اللبناني !

يُعتبر الاعلام الالكتروني اللبناني، فنّاً تعبيرياً يتّصفُ بالحريّة المطلقة، نظراً الى عدم وجود تشريعات تحدِّد وتوصّف طبيعة عمله ومجالات التفاعل معها، وهذا ما جعله إعلاماً إستهلاكيّاً واسع الإنتشار وكثير المقبوليّة. وهذه الصفة، أي سرعة قبوله وتصديقه، ضاعفت من الاخطار المهنية التي يمكن ان تنجم عن الاعلام الكلاسيكي، لجهة الثقة المفروض توافرها في صياغة عناصره، وذلك بسبب التسرّع الذي يطغى على مفهوم (السَبْق الإعلامي) في خلال تصنيع المواد الإخباريّة والرغبة في تحقيقِ (نصرٍ) مهنيّ، على حساب الإحترافية المطلقة.

ثانياً: في رهانات الاعلام الالكتروني اللبناني !


يتطلّع اللبنانيّون بكلِّ مستوياتهم العُمْريّة والثقافيّة، وبمختلف إنتماءاتهم وتوزّعِ إهتماماتهم، الى تطوير الاعلام الالكتروني الذي اصبح مادةً أساسية في الحياة اليومية للناس، ويراهنون على اهمية تنظيمه ودفعه الى توسيع إطار تحرّكه، حتى يستجيب أكثر لاهتماماتهم وتطلّعاتهم التي تتشعّب وتتكاثر كلّ يوم، نظراً الى الإنفتاح المستدام على حضارات الشعوب وثقافاتها وطبيعة حياتها اليوميّة بكلِّ مفاصلها، بعدما صارت المجتمعات العالمية على تماسٍ تامٍ وتواصل لحظويٍّ بعضها مع بعض. وهذا ما جعل اللبنانيين يتطلّعون الى رهانات جديدة وحديثة في مجال تعميم المعارف ونشر الاخبار المتواترة بسرعة غير منتظرة.

ثالثاً: في المأمول للإعلام الالكتروني !

تحدّدتْ إنتظارات التفكير في قوننة الإعلام الالكتروني ودوره، من خلال الدعوة الى تنظيمه وطرحه كقضية ملازمة للحرية وجاءت متوافقةً بكليّتها مع طروحات الفئات الشعبية اللبنانية، بكلِّ رؤاها وهمومها وانتظاراتها .
وتُظهر الافكار التي تتدرّج من مسألة تنظيم المهنة، الى أخلاقيات هذا الفنّ الإعلامي الجديد، وقضية الرقابة على الإنتاج وضرورة اعتماد مبدأ الجودة، الى حماية المواقع الالكترونية، ووجوبيّة تعديل التشريعات اللّازمة، وصولاً الى اقتراح إنشاء هيئة تمثيليّة لأصحاب المواقع والعاملين فيها، أن هذه الخلاصات جاءت متكاملة من حيثُ استجابتها لإلحاحية هذه القضية، من دون ان يعني ذلك ان التفكير قد أقفل الباب على كلّ الهموم والأسئلة التي يمكن ان تتشكَّل كلّ لحظة، حول إشكاليات الاعلام الالكتروني ودوره التوعوي والإخباري، في مجتمعٍ ليبراليٍ حُرٍ ونامٍ ومتعدّدِ الثقافات والحضارات والأديان...!

والمأمول، أن تتواصل الجهود وتتكثّف الأنشطة المهنية والاكاديمية والقانونية والرسميّة، للتصدّي لكلّ الاخطار التي تتهدّد سلامة العملية الإفهاميّة والإبلاغيّة التي تتصل بوظيفة الاعلام الالكتروني ورسالته الاجتماعية، وأن ندعو ونعمل من أجل تأسيس إعلام إلكتروني مُختَلِف ويستحقّه لبنان..!


*وزير الشباب والرياضة