عيد رفع الصليب: من "الصليب الحقيقي" إلى إشعال النيران

هل يعرف البعض أن الاحتفال بعيد الصليب كان يمتدّ لثلاثة أيام؟ هو عيد الصليب أو ما يُسمّى "عيد رفع الصليب" لدى المسيحيين، لذكرى اليوم الذي وجد فيه "الصليب الحقيقي".
 
فما هي ميزة هذا العيد وتاريخه؟
 
كانت الكنيسة المسيحية تحتفل بعيد الصليب لمدة ثلاثة أيام متتالية، ويأتى تذكار واقعة عودة الصليب المقدس على يد القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير، التى رفعته على جبل الجلجلة، وبنت فوقه كنيسة القيامة.
من هنا، يعتبر عيد الصليب أحد الأعياد المسيحيّة الشعبيّة المهمة، ويتمّ فيه إحياء ذكرى العثور على الصليب، ويُحتفل فيه في يوم 14 أيلول من كل عام. عام 326 م، عثرت والدة الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير، هيلانة، على الصليب أثناء رحلة الحج التي قامت بها إلى مدينة القدس. وقد بنيت كنيسة القبر المقدّس في موقع قبر المسيح، حيث عثروا على الصليب. ويعود تاريخ العيد في الكنائس الشرقية إلى تكريس كنيسة القيامة في القدس عام 335 م.
 
أما تسمية "الصليب الحقيقي" فتعود إلى بعض القطع الخشبية التي -وفقاً للمعتقدات المسيحية- ترجع إلى الصليب الذي صلب عليه يسوع المسيح.
 
وفي القصة التي تروى أن الإمبراطورة هيلانة اكتشفت مخبأً فيه ثلاثة صلبان، يعتقد أنها استخدمت في صلب يسوع واللصين اللذين كان إلى جواره. وكانت هناك علامة على أحد الصلبان تحمل اسم يسوع. لكن هيلانة لم تكن متأكّدة. ولتحديد أيّ صليب هو الصليب الحقيقي، أمر البطريرك مكاريوس بأن يوضع على كلّ صليب رجل ميت يُحمل إلى قبره. وعندما وُضع جسد الميت على صليب المسيح، عاد إلى الحياة على الفور. وبعد رؤية قيامة الميت، تأكّد أنّه تمّ العثور على "الصليب المُحيي". و"بفرح عظيم" رفعت الإمبراطورة هيلانة والبطريرك مكاريوس الصليب المُحيي وعرضاهُ على الشعب كلّهُ. من هنا، جاءت التسمية: عيد رفع الصليب، وجرت العادة برفع الصليب وإنارته فوق البيوت والأسطح والجبال.
 
ويروى أن الصليب أخرج من إناء فضيّ، ووضع على طاولة مع الكتابة التي أمر بيلاطس بوضعها فوق رأس السيد المسيح، وبات المسيحيون يمرّون بجانبه وينحنون أمامه ويلمسونه بجباههم وبأعينهم، ثمّ يقبّلونه ويرحلون.
 
هكذا، وفي كنيسة القيامة اليوم يكرّم الموضع الذي وجدت فيه القديسة هيلانة الصليب. هذا الموضع كان في عهد السيد المسيح حفرة كبيرة في الأرض، ردمها مهندسو الملك قسطنطين، وأدخلوها في تصميم الكنيسة الكبرى بمثابة معبد، فيما هو في الواقع مغارة كبيرة تحت سطح الأرض.
 
الاستيلاء على الصليب
 
بقي الصليب موجوداً في كنيسة القيامة حتى الرابع من شهر أيار من عام 614 م، بعدما تمكّن الفرس من الاستيلاء عليه بعد احتلالهم المدينة وهدم كنيسة القيامة. وفي عام 629 م، تمكّن الإمبراطور هرقيليوس من الانتصار على كسرى ملك الفرس، وأعاد الصليب إلى المدينة، فلاقته الجماعة وهي ترّنم: "لصليبك يا رب نسجد، ولقيامتك المقدّسة نمجّد". وكان ذلك في 14 أيلول 628 م. وعمّ الفرح العالم المسيحي الشرقي، وأخذ الناس يتباركون من خشبة الصليب المقدّس.
 
بعدها، نقلت الذخيرة إلى أورشليم سنة 631 م. وعلى مرّ الأعوام، بات تاريخ 14 أيلول ذكرى عيد رفع الصليب. كان المصلّون يحجّون دوماً إلى معلولا في سوريا، حيث ديرا القديسة تقلا والقديسين سركيس وباخوس.
 
يشرح الأب إيلي خويري في أطروحة الدكتوراه التي يعدّها بأن "عيد الصليب هو آخر الأعياد في السنة الطقسيّة، فهو يفتتح الزمن الذي نسمّيه النهيوي (من النهايات)، أي زمن مجيء المسيح وانتصاره على الشرّ والموت. لذا، طوال زمن الصليب، تظلّ الكنيسة تحتفل بعريسها الذي سيأتي في نهاية الأزمنة، ليدين الأحياء والأموات ويُجدّد ملكوته في قلوب جميع البشر".
 
ولا تزال بعض العادات موجودة حتى يومنا هذا، ومنها عادة إشعال النار على التلال عشية عيد الصليب.
 
يعود أصل هذه العادة إلى القديسة هيلانة حين بدأت تبحث عن خشبة عود الصليب المقدّس، التي كانت مخفية، فسارعت إلى إضرام النيران على تلال مدينة القدس، عندما وجدت الخشبة، كي يدرك الملك قسطنطين الخبر. ثم أشعلت كل المدينة النيران على التلال.
 
عشية العيد، كان يتم الاحتفال الأول عبر صلاة المساء، التي ترفع في الكنائس، يليها "الاحتفال الكبير" أو قداس يوم العيد، لتختتم الذكرى بتبريك المياه ورفع الصليب.
 
عبر كثيرة لا يزال المسيحيون يستخلصونها من "الصليب الحقيقي"، الذي يرمز إلى الآلام والموت... فالقيامة والحياة الجديدة.