سانشيز في الرباط: اجتماع وزاري إسباني- مغربي ومذكرات تفاهم لتعزيز "الشراكة الاستراتيجيّة" بين البلدين

وقّع المغرب واسبانيا، الخميس، مذكرات تفاهم ثنائي في مجالات عدة تعزيزا "لشراكتهما الاستراتيجية" في اجتماع وزاري رفيع المستوى، بعدما طوى البلدان أزمة ديبلوماسية حادة بسبب قضية الصحراء الغربية وعلى الرغم من انتقادات في مدريد "لتنازلات" رئيس الوزراء الاسباني بيدرو سانشيز.

وأعلن الأخير التوقيع على بروتوكول اتفاق "مالي هام بقيمة 800 مليون يورو لتحفيز الاستثمار في القطاعات الاستراتجية بالمغرب" مثل الصناعات الغذائية والسكك الحديد والسياحة وتدبير المياه، مؤكدا رغبة بلاده في أن تصبح "مستثمرا مرجعيا بالمغرب".

وشملت الاتفاقيات التي وقعها وزراء من الجانبين خلال الاجتماع الرفيع الذي استضافه مقر وزارة الخارحية المغربية بالرباط التعاون في ميادين عدة مثل الهجرة والبنيات التحتية والبيئة إضافة إلى قطاعات الصحة والتعليم العالي.

من جهته اعتبر رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش أن علاقات البلدين تتطلب "انخراط الفاعلين الاقتصاديين (...) قصد إبرام شراكات قوية وملموسة، تتجاوز التبادل التجاري، لتشمل مشاريع مشتركة ذات بعد استراتيجي".

ووصل سانشيز الأربعاء إلى الرباط على رأس وفد حكومي يضم عددا من الوزراء، ليترأس الاجتماع مع نظيره المغربي.

ويكرس الاجتماع الرفيع المستوى بين الحكومتين المغربية والإسبانية المصالحة التي توصّلتا إليها في آذار الماضي، عندما أعلن سانشيز تأييد اسبانيا لاقتراح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلا وحيدا للنزاع في الصحراء الغربية.

كما يأتي هذا التقارب بين البلدين في أجواء توتر في العلاقات بين الرباط وباريس، الشريك التاريخي الآخر للمغرب. 

وتتّهم الطبقة السياسية والإعلام المحلي باريس بالوقوف وراء توصية تبناها البرلمان الأوروبي مؤخرا حول حرية الصحافة في المغرب، واتهامات برشوة برلمانيين أوروبيين.

وقد صوت أعضاء البرلمان الأوروبي الاشتراكيون الإسبان ضد هذا النص.

وتحدث الصحافي مصطفى طوسة في "أطلس أنفو" المغربي عن "شهر عسل بين الرباط ومدريد" و"أزمة باردة مع باريس"، فيما أشارت صحيفة "الأحداث المغربية" إلى "قمة الثقة". وكتبت صحيفة "العلم" المغربية "نحو البناء الجماعي للمستقبل المشترك".

من جهته أشاد رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في المنتدى نفسه بموقف الحكومة الاسبانية المؤيد للمغرب "الشجاع" بخصوص نزاع الصحراء الغربية "الذي فتح مرحلة جديدة في علاقاتنا الثنائية".

لكن هذا الود لا يحظى بالإجماع في اسبانيا إذ فضلت وزيرة العمل يولاندا دياز من حزب بوديموس اليساري، عدم المشاركة في الزيارة إذ إن حزبها يعارض بشدة التحول "من جانب واحد" لسانشيز من نزاع الصحراء الغربية.

من جهته اعتبر الحزب الشعبي اليميني المعارض أن سانشيز قدم "صورة ضعيفة" عن اسبانيا. 

واعتبرت صحيفة "إل موندو" المحافظة أن "محمد السادس أظهر وضعه القوي إزاء اسبانيا بعدم استقباله سانشيز". فيما قالت صحيفة "ال باييس" (يسار وسط) إن "غياب محمد السادس أفسد القمة". 

وكان العاهل المغربي قد دعا سانشيز، في مكالمة هاتفية قبيل وصوله الى المغرب، إلى زيارة المملكة مجدداً "في أقرب الآجال"، من أجل "تعزيز العلاقات الثنائية (...) بمشاريع فعلية في مختلف المجالات"، وفق ما أعلن بيان للديوان الملكي الأربعاء.

وأشاد الملك محمد السادس في هذا الاتصال "بالمرحلة الجديدة للشراكة الثنائية" بين الجارين.

- الهجرة غير النظامية -
تعد اسبانيا الشريك التجاري الأول للمغرب وثالث مستثمر أجنبي فيه، بينما يحتل المغرب المرتبة الثالثة على لائحة شركائها التجاريين من خارج الاتحاد الأوروبي. 

وارتفعت المبادلات التجارية بين الجارين أكثر من 21 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بعدما بلغت نحو 17 مليار يورو في 2021، وفق رئيس الحكومة المغربي.

لكن علاقات الجارين ترتبط أيضا بالتعاون في الملف الشائك لمكافحة الهجرة غير النظامية، حيث تبرز مدريد تراجع تدفق المهاجرين غير النظاميين على إسبانيا بنسبة 25 بالمئة في العام 2022، بفضل استئناف التعاون الأمني بين البلدين في هذا المجال.

لكنّ هذا التعاون شابه مصرع 23 مهاجرا غير نظامي في 24 حزيران عند محاولتهم اقتحام معبر حدودي مع جيب مليلية، ما جرّ على الحكومتين انتقادات منظمات حقوقية. وأعلن الطرفان الخميس "نيتهما تقوية تعاونهما في محافحة الهجرة غير النظامية ومراقبة الحدود".

وبخصوص جيبي سبتة ومليلية الاسبانيين شمال المملكة، وعد رئيس الوزراء الاسباني بأن إعادة فتح الجمارك التجارية "ستتم بشكل تدريجي". 

وكان المغرب أوقف منذ خريف 2019 تدفّق السلع من المدينتين الإسبانيتين إلى الاراضي المغربية بأثمان رخيصة. وهي تجارة كانت تُعرف باسم التهريب المعيشي ظلت رائجة لسنوات طويلة، قبل أن توقفها الرباط باعتبار أنها تحرم جماركها من عائدات مالية. 

إضافة إلى مكافحة الهجرة غير النظامية، تعد الرباط حليفا لمدريد في مكافحة الإرهاب. وأعرب الطرفان عن "ارتياحهما للنتائج المحققة" في هذا المجال.

وكانت اسبانيا شهدت الأسبوع الماضي هجوماً جهادياً بساطور استهدف كنيستين في الجزيرة الخضراء (جنوب) أودى بشمّاس. والمتّهم الذي أوقف إثر الهجوم مهاجر غير نظامي مغربي يبلغ 25 عاماً.