الخميس - 04 تموز 2024

إعلان

واقع غزّة الأمني بعد الحرب... ما هي السيناريوات الأكثر ترجيحاً؟

المصدر: "النهار"
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
عناصر للأمم التمحدة في غزّة (أ ف ب).
عناصر للأمم التمحدة في غزّة (أ ف ب).
A+ A-
بالتوازي مع الاهتمام بالحرب من جهة، وبملف الأسرى من جهة أخرى، ثمّة تركيز في إسرائيل ينصبّ على واقع قطاع غزّة الأمني بعد انتهاء المعارك، وثمّة أسئلة عديدة تُطرح لا أجوبة عنها؛ من سيحكم غزّة؟ هل ستبقى السلطة بيد "حماس"؟ هل تعود إسرائيل إلى احتلال القطاع من جديد؟ هل ستتسلّم السلطة الفلسطينية إدارة الوضع الأمني؟ أم سيتم استقدام قوّة دولية؟

الواقع الأمني مرتبط بنتيجة الحرب المستمرّة بين "حماس" والجيش الإسرائيلي والتي قد تطول لأكثر من شهرين، وفق ما صدر عن وزير الدفاع يواف غالانت وما تظهره كل المؤشرات. وإذا تمكّنت إسرائيل من حسم الاشتباك لصالحها، وأنهت وجود "حماس" العسكري كما تهدف، فإنها ستكون المقرّر، أما وفي حال صمدت الحركة، فإن الواقع سيتبدّل، لكن ليس بالضرورة أن تُقرّر "حماس" مستقبل غزّة.

ثمّة أربعة احتمالات مطروحة على الطاولة، وقد تُقدَّم طروحات إضافية في الأسابيع المقبلة حسب مجريات الميدان والسياسة، إلّا أن تلك الموجودة تتلخّص بالآتي: عودة إسرائيل إلى احتلال القطاع والسيطرة أمنياً عليه، استمرار "حماس" بالإمساك بغزّة، الاستعانة بالسلطة الفلسطينية وتطبيق واقع أمني مُشابه للضفة الغربية، أو طلب قوات دولية لإدارته أمنياً ريثما يتم التوصّل إلى حل نهائي.

ماذا يقول المشهد الميداني؟
وفق ما تفرزه صورة الميدان، ورغم المقاومة الشرسة التي تُبديها "حماس"، فالجيش الإسرائيلي يواصل توغّله وتقدّمه في غزّة، ويُسيطر على مناطق إضافية ويُدمّر المزيد من البنى التحتية العسكرية للحركة. وفي حال استمرّت وتيرة الاشتباك على ما هي عليه في الشهرين المقبلين، فإن الأفضلية العسكرية قد تكون لصالح إسرائيل، خصوصاً في حال لم تتمكن الحركة من تأمين الإمداد بالذخائر وطالت الحرب بشكل يستنزف فيه مخزوناتها للمواجهة البرية.
 
وما يُعزّز من هذا الطرح هو ما يتحدث عنه مراقبون من تراجع قدرات "حماس" الصاروخية وقُدرة إسرائيل على نقل ميدان المعركة. وفي التفاصيل، فإن وتيرة قصف "حماس" الداخل الإسرائيلي، كتل أبيب ومستوطنات كعسقلان وغيرها تراجعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، بسبب ترجيح الدمار الذي لحق ببنيتها التحتية، ثم إن إسرائيل توغّلت برياً رغم كل التهديدات والتحذيرات ونقلت المعارك إلى ميدان "حماس"، وحوّلت الاشتباك من حرب من الجو إلى أخرى برّية.

وفي حال استمرار المسار نفسه، سيكون أمام إسرائيل خياران، إما احتلال غزّة وعودة واقع ما قبل العام 2005، حينما كانت إسرائيل تُسيطر بشكل مباشر على القطاع وتُديره، أو الاستعانة بالسلطة الفلسطينية واعتماد صيغة التنسيق الأمني كما يحصل في الضفّة الغربية، وهذا ما لا ترحّب به إسرائيل التي اعتبرت أن السلطة غير مؤهّلة، وهو ما أبدت السلطة استعداداً له.

إلّا أن ما وجب أخذه بالاعتبار أن الجيش الإسرائيلي قد يحسم المعارك ويُسيطر على القطاع بعد تدمير البنى التحتية الضخمة، لكن إسرائيل لن تكون قادرة على إنهاء "حماس" عسكرياً بشكل حاسم، لأن بيئة غزّة أرض خصبة لمقاومة الوجود الإسرائيلي، والسلاح منتشر بكثافة، ولن يكون بمقدور إسرائيل الاستيطان بأمان، لكن سيطرتها على القطاع قد تحول دون تنفيذ هجمات واسعة النطاق.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل فترة إن إسرائيل لن تحكم أو تدير الخدمات الأساسية في غزة بعد الحرب، لكنها "ستواصل السيطرة على الأمن هناك"، في حين أقرّت الولايات المتحدة بهذا الواقع، إذ قال منسق السياسات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن إسرائيل ستحافظ "على الأرجح" على درجة من السيطرة الأمنية على القطاع.

إلّا أن موقف واشنطن ليس محسوماً بعد، خصوصاً وأنها تتحمّل مسؤولية ممارسات تل أبيب أمام المجتمع الدولي، وحسب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، يجب "توحيد غزّة مع الضفة الغربية" تحت إدارة سلطة فلسطينية "مُعاد تنشيطها" تُنسّق مع إسرائيل، وفق ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.

ما هي أبرز السيناريوات؟
معهد الشرق الأوسط للدراسات يستعرض خمسة احتمالات لمستقبل غزّة، ووفق الاحتمال الأول، فإن إسرائيل قد تعود إلى احتلال القطاع، ورغم علمها بعدم قدرتها على إنهاء "حماس"، لكنها ستعمل على إضعاف الحركة وتقوية أجهزتها الأمنية والعسكرية، وستتعايش مع "حماس" دون عقد اتفاقيات معها، وسيُساعدها واقع غزّة المدمّرة لجهة عدم عودة سكّان القطاع.

الاحتمال الثاني يكمن في تفريغ القطاع من سكّانه، وتكرار تجربة نكبة العام 1948، حين هُجّر الفلسطينيون، ووفق هذا السيناريو، فإن الغزيين، خصوصاً سكّان شمال القطاع، لن يعودوا إلى منازلهم، بل سيتوجهون إلى سيناء، وثمّة ضغط يُمارسه نتنياهو على أوروبا للضغط على مصر بهدف القبول باستقبال اللاجئين، وكيربي أعلن أن واشنطن قد تطرح المسألة مع القاهرة.

الاحتمال الثالث يذهب أبعد من الاحتمالين الأولين (المتكاملَين)، فهو يتحدّث عن احتلال إسرائيل للقطاع بشكل طويل الأمد، ويشمل احتمال عودة المستوطنين إلى غزّة، كما طالب بعض ساسة اليمين في إسرائيل. لكن هذا السيناريو من شأنه أن يعرّض القوات الإسرائيلية والمستوطنين لهجمات، كما أنه من شأنه أن يزيد من مسؤوليات إسرائيل وتكاليفها بدلاً من تقليلها.

الاحتمال الرابع يتضمن نشر قوات دولية ووضع غزة تحت الفصل السابع، لكن ذلك يستوجب قراراً لمجلس الأمن مستبعد بسبب حق النقض (الفيتو). وإضافةً إلى ذلك، انخفض الحماس الدولي لإرسال بعثات حفظ السلام، وحتى لو تحقق الأمر، فإن إسرائيل ستبقى مصرّة على إجراءاتها الأمنية، وقد يكون قرار مجلس الأمن مرتبطاً بالحل السياسي، وهو أمر أيضاً بعيد الأفق في الوقت الحالي.

أما الاحتمال الخامس، فهو نقل إدارة القطاع إلى السلطة الفلسطينية، على أن يتم تمكين الأخيرة وتقويتها للتمكّن من القيام بهذا الدور، الذي يجب أن يحظى بدعم إقليمي (من قبل مصر، الأردن، قطر، السعودية والإمارات)، على أن يستعان بموظفي السلطة حينما كانت متواجدة في القطاع (قبل العام 2007) ودمج موظفي سلطة "حماس" الذين لم يشاركوا في القتال.

هل تعود السلطة الفلسطينية إلى غزّة؟
لكن بالعودة إلى "نيويورك تايمز"، فإن "السلطة لا تحظى بشعبية كبيرة حتى في الأماكن التي تسيطر عليها في الضفة الغربية، لأنه يُنظر إليها على أنها مقاوم في الباطن للاحتلال الإسرائيلي الطويل"، ثم إن فلسطينيي غزّة يرفضون السلطة وحركة "فتح"، وكانوا قد خاضوا حرباً ضدها في العام 2007 وطردوها من القطاع رفضاً لسياساتها لجهة الحكم الداخلي أو التعامل مع إسرائيل.

وبحسب ما تنقل الصحيفة عن فلسطينيين، فإن السلطة الفلسطينية غير قادرة على إدارة الضفة الغربية ولا حماية سكّانها، فكيف لها أن تحكم قطاع غزّة؟ ثم إن سياسات السلطة – التي تُسيطر عليها "فتح" - فشلت، وفي حال حصلت الانتخابات، ستفوز "حماس"، وفق ما يقول عدد من الفلسطينيين، الذين يُشيرون إلى تزايد عدد المستوطنين في الضفّة، وزيادة التحدّيات أمام السكان الأصليين.

وفي السياق نفسه، قال خليل الشقاقي، أحد منظمي الاستطلاعات الفلسطينيين البارزين، إنه في استطلاعه الأخير، الذي لم يُنشر بعد، فإن 66 في المئة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتبرون السلطة "عبئاً"، و نحو 85 في المئة يريدون استقالة رئيس السلطة محمود عباس، وهذا يعني أن "أكثر من 60 في المئة من قاعدته" في فتح يريدون رحيله.

الخيار المرجّح
بحسب مراقبين، فإن الخيار المرجّح يكمن في استمرار إسرائيل في حربها ضد "حماس" لإضعاف قدراتها العسكرية إلى أبعد حد، وجعلها غير قادرة على مواجهتها أمنياً أو عسكرياً، وبالتوازي، استمرار التدمير والسعي إلى تهجير سكّان القطاع إلى الجنوب ومن ثم إلى خارجه، والضغط دولياً لفتح الحدود مع مصر، وبالتالي يُصبح القطاع فارغاً نسبياً من سكّانه وتُصبح "حماس" ضعيفة.

ذلك سيحتاج إلى فترة ليست بسيطة من الحرب العنيفة، ووفق المراقبين، فإن حدّة الحرب قد تشتد بعد تحرير أكبر عدد من الرهائن، لضمان تحقيق الهدفين المذكورين سلفاً، خصوصاً وأن إسرائيل لا تكترث للتحذيرات الدولية التي لن تردعها، وواشنطن لن تمنعها أو تعارضها مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وحاجة بايدن الماسة إلى اللوبي اليهودي.

وبعد تحقيق الهدفين المذكورين، فإن إسرائيل تُسيطر أمنياً وموقتاً على قطاع غزّة المدمّر، لضمان عدم تكرار تجربة 7 أكتوبر، وعند ذلك الحين، من المرتقب أن تكون الإدارة الإسرائيلية تبدّلت، والانتخابات الأميركية قد أنجزت، فيبدأ البحث الجدّي وتكون الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها، خصوصاً وأن حينها قد تعود صفقة تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم