حمل آلاف الفلسطينيين ما تيّسر من أمتعهم وحاجياتهم، ومضوا في مشقة نزوح جديدة أفرغت العديد من شوارع خان يونس من مرتاديها الجمعة، بعد إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر بالإخلاء وإعلانه توسيع عملياته في كبرى مناطق جنوب قطاع غزة، بعد عشرة أشهر على اندلاع الحرب مع حماس.
قالت ريم أبو هيّة لوكالة فرانس برس إن القوات الإسرائيلية "رموا علينا مناشير (يقولون فيها) اخلوا".
وأضافت السيدة المحجبة التي بدت منهكة وهي تقف قرب مبنى مدمّر بالكامل "لا نعرف الى أين نذهب، ها نحن نمشي"، مضيفة بأسى ممزوج بالغضب "معنا مرضى ومعاقون، والبعض على كراسٍ (متحركة) يقومون بجرّ أنفسهم. الى أين نذهب؟".
شهدت منطقة خان يونس معارك ضارية وعمليات قصف على مدى أسابيع طويلة منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 تشرين الأول. وكانت آخر أوامر الإخلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي بشأنها في أواخر تموز الماضي.
لكنه دعا مجدداً الخميس سكان بعض المناطق في خان يونس الى مغادرتها، متوعداً العمل "بقوة" فيها ضد حماس والفصائل الفلسطينية التي "تواصل إطلاق القذائف الصاروخية" منها.
ومن البلدات التي طلب من سكانها إخلاؤها في شرق منطقة خان يونس السلقا والقراراة وبني سهيلا وعبسان، إضافة الى أحياء في داخل المدينة، وهي الأكبر في جنوب القطاع الفلسطيني.
وفي أعقاب هذه الدعوة، شاهد مراسلون لفرانس برس آلاف الفلسطينيين يغادرونها وهم يحملون ما تيسّر من أمتعة وأغراض. وانتقل رجال ونساء وأطفال ومسنّون في سيارات غطّت سقفها الأمتعة، أو تكدّسوا في عربات تجرّها حمير هزيلة أو درّاجات نارية، بينما سار آخرون حاملين حقائب وأكياساً وفرشا على الأقدام وسط الركام والازدحام في شوارع ضيقة تفيض منها المياه.
وأعلن الجيش الجمعة بدء "عملية هجومية في منطقة خان يونس" بعد معلومات عن وجود مقاتلين وبنى عسكرية فيها وفق قوله. وأكد شنّ "غارات مكثفة" على "أكثر من 30 هدفاً" لحماس.
وأوامر الإخلاء ليست جديدة على أهل القطاع، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن غالبية السكان البالغ عددهم 2,4 مليوني نسمة، نزحوا منذ بدء الحرب.
والشهر الماضي، قال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، إن 14 بالمئة فقط من مناطق قطاع غزة الذي تقارب مساحته 360 كلم مربع، لم تشملها أوامر الإخلاء الإسرائيلية.
وأكد الجيش الجمعة أن قواته "تحارب في الوقت نفسه فوق وتحت الأرض إلى جانب تطهير المنطقة... والعثور على وسائل قتالية وتدميرها".
- "ارحمونا" -
ومنذ بدء توغله البري في غزة في 27 تشرين الأول، غالباً ما أعلن الجيش العودة الى مناطق سبق له أن انسحب منها بعد تنفيذ عمليات برية. وتبرر القوات الإسرائيلية ذلك بعودة عناصر الفصائل المسلحة، أو التحقق من معلومات استخبارية عن احتمال وجود رهائن إسرائيليين في تلك المناطق.
وأشار الجيش الجمعة الى أن العملية الأحدث في خان يونس تأتي "نظراً لورود معلومات استخبارية" بوجود مسلحين وبنى تحتية للفصائل أو لعدم إعطائها الفرصة لإعادة تجميع صفوفها.
لكن بصرف النظر عن الأسباب والمبررات، يبقى الأمر سيان بالنسبة للنازحين.
وقال أحمد النجار، وهو نازح وضع على رأسه قبعة سوداء وبدا منهكا وغاضبا، "يكفي! الى اليهود وحماس، الى الاثنين، يكفي. تطلعوا الى الفلسطينيين، تطلعوا الى أهل غزة".
وأضاف لفرانس برس "ارحمونا. أولاد صغار ونساء يموتون في الشارع".
من جهته، قال محمد الفرا (46 عاماً) من منطقة الشيخ ناصر شرق خان يونس "كانوا ما إن يعلنوا نهاية العملية العسكرية في منطقتنا (سابقاً)، حتى نعود فوراً الى منزلنا... لنقي أنفسنا من الحر والشنططة والبهدلة".
أضاف لفرانس برس "رغم انه خلال العملية العسكرية السابقة للاحتلال شرق خان يونس تمّ قصف منزلنا... لكن عند انتهاء العملية العسكرية عدنا إليه، ووصل بنا الحال بأن ننام بالشوارع حتى ونحن في منزلنا وعلى ركامه.. ليعود الاحتلال ويطردنا من جديد لنعاني المأساة أضعافاً مضاعفة".
وتابع "تعبنا ويجب انهاء الحرب فوراً لنشعر بأننا بشر، ولو قليلا".