إنفاق أو ادّخار المال... أيهما طريقك إلى الرضا؟

لطالما سمعنا أمثالاً شعبية تناقضت في ما يتعلق بالتعامل مع المال. منها دعا إلى ادّخاره: "خبِّ قرشك الأبيض ليومك الأسود"، ومنها دعا إلى إنفاقه: "أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب". الإنفاق مقابل التوفير. يجد أشخاص السعادة في الأولى، بينما آخرون يجدون السعادة في الثانية. وفيما تتعدّد دوافع وأسباب وإيجابيات وسلبيات كلّ من السلوكين، يبقى الثابت الوحيد أنّ قراراتك بما يجب أن تفعله بأموالك، تتحكم فيها نفسيتك.
 
تستمتع بما تشتريه، وتكون سعادة إنفاقك مؤقتة وتشعر بالإشباع والإنجاز الفوريين، فدماغك يفرز مادة الدوبامين التي تحفز الشعور بالمتعة، عند شراء شيء جديد. كذلك، تستمتع بالمال الذي تدّخره وأنت تنظر إليه يرتفع بمرور الوقت، دون أن تبذل أي جهد. في هذا السياق، ترتبط رفاهيتك المالية ارتباطاً وثيقاً بصحتك العاطفية، إذ لا يتعلق الأمر فقط بالوعي المالي، بل أيضاً بالذكاء العاطفي.
 
لماذا يعطي بعض الناس الأولوية للادّخار وآخرون للإنفاق؟
د. غرايس عازار- أستاذة محاضِرة في الجامعة اللبنانية الأميركية، جامعة الروح القدس الكسليك، الجامعة اللبنانية وجامعة البلمند، متخصصة بعلم النفس والبيانات الطبية
 
عادة ما يشعر الناس بضغط ادّخار المال لتأمين تقاعد مريح وتأمين مستلزمات الحياة الأساسية مثل الغذاء، الطبابة، المنزل، والبيئة الآمنة. وكلّما زادت، زادت معها السعادة.
تختلف محفزات الإنفاق والادّخار لكل شخص. فالسبب وراء الادّخار يعود إلى عدم وجود الاستقرار لا سيما في الدول الهشة حيث يعتمد الناس الادّخار خوفاً من المستقبل. وأيضاً، قد يعود السبب إلى قرار الشخص بتكوين عائلة وتأسيس حياة جديدة. في المقابل، لدى الدول الغربية، ورغم أنّ الدولة تؤمّن احتياجات الناس، هم بطبيعتهم اقتصاديون. بينما في دول مثل لبنان، يهتم البعض لآراء الغير أكثر من راحتهم.
الفرق بين المجتمعات الغربية والشرقية، أنّ مجتمعاتنا "جماعية" (collectivist) نهتم بالعيش مع بعضنا ونتساعد وأحياناً نعتمد على بعضنا، إلى جانب تأثرنا كثيراً بالآخرين، وبالمظاهر وبنظرتهم إلينا، وهذا ما يجعلنا ننفق في بعض الأحيان أكثر من طاقتنا. أمّا المجتمعات الغربية فهي مجتمعات "فردية"((individualistic حيث كل شخص يعتمد على نفسه ويسعى لأن يكون مستقلاً، إضافة إلى اهتمامهم فقط بتأمين الاحتياجات الضرورية.
 
أمّا دوافع الإنفاق، فقد تكون من ردة فعل عكسية بسبب أحوال مادية كانت ضيقة أو من نقص في حياة الأشخاص (حياة فقر أو بخل)، وقد يكون بسبب الملل، أو الرغبة في التأقلم، أو الرغبة في زيادة احترام الذات، أو الراحة.
 
 
 
حديثاً، وفي إطار علم النفس الإيجابي، يجب إنفاق المال بوعي، أي على حاجات تحسّن من حياتنا وتؤمّن لنا الفرح والسعادة وتزيد من رفاهنا، نتحدّث هنا عن الإنفاق المتعمّد وفق نموذج بيرما أو "Perma Model"، الذي ابتكره مؤسِّس علم النفس الإيجابي العالم مارتن سسليغمان. فتطيبق هذا النموذج يخفّف من ضغط الادّخار، ويؤمن الإنفاق الإيجابي.
يقوم النموذج على مواءمة اختيارات الإنفاق مع القيم والأولويات والأنشطة التي تجلب لك السعادة الحقيقية. أي إنفاق المال بوعي على حاجات تجعلنا نشعر بالسعادة المفيدة وطويلة الأمد، وليس على ما يجعلنا نشعر بضغط المجتمع وقيوده والسعادة الآنية. فبدلاً من الاستهلاك بلا وعي والاستسلام للضغوط المجتمعية، فكّر في كيفية مساهمة المشتريات في السعادة والوفاء. فذلك يمكن أن يؤدي إلى حياة أكثر إشباعاً وتوازناً، حيث تدعم القرارات المالية سعينا إلى السعادة والرفاه. فمن دمج أركان النموذج الخمسة في قراراتك المالية، يمكنك تخصيص مواردك بطرق تعزز رفاهك وسعادتك.
 
ويضمّ نموذج بيرما:
 
- المشاعر الإيجابية، عبر تخصيص المال للأشياء التي تساعدك على تجربة مشاعر الفرح والسعادة والامتنان في حياتك اليومية، مثل الحفلات الموسيقية أو قضاء وقت ممتع مع أحبائك.
 
- المشاركة، استثمر في مشتريات تساعدك على إيجاد شعور بالهدف، مثل الالتحاق بدورة تدريبية، أو شراء مستلزمات هواية.
 
- العلاقات، عبر تخصيص الأموال للتجارب أو الهدايا التي تقوي علاقاتك، مثل الخروج مع الأصدقاء أو الرحلات العائلية، لرعاية العلاقات ذات المغزى، وتعزيز الروابط وبناء شعور بالانتماء.
 
- المعنى، قم بإنفاق يتوافق مع معتقداتك ويساهم في غرض أكبر، مثل دعم شركة محلية أو عمل خيري، أو مساعدة جمعية.
 
- الإنجاز، عبر تحديد أهدافك المالية وتحقيقها، من خلال تخصيص أموالك بانتظام لتحقيق هدفك.