السبت - 07 أيلول 2024
close menu

إعلان

ليس دفاعاً عن اللاجئين السوريين!

ابراهيم حيدر
ابراهيم حيدر
ليس دفاعاً عن اللاجئين السوريين!
ليس دفاعاً عن اللاجئين السوريين!
A+ A-

لنعترف بأن اللاجئين السوريين أُخرجوا من ديارهم ولم يخرجوا منها. انتقلوا بين ألسنة النار وقضت الحرب على الكثير منهم. نساء وأطفال وعجز وشباب لم يجدوا طريقاً للنجاة إلا بالرحيل، فتشتتوا بفعل الذين قرروا اقتلاعهم وتهجيرهم وقتلهم أيضاً. 

عجز اللاجئون عن تأمين حياة في وطنهم، فأخذتهم الحرب الى المجهول. لم يختاروا لبنان لدخوله بإرادتهم، جرى رميهم في بلدنا كما في بلدان أخرى. أدركنا لاحقاً أن لا شيء بات معلوماً من حياتهم في بلدهم سوريا، وعرفنا أيضاً متأخرين أن رحيلهم عن وطنهم أو اقتلاعهم من أرضهم ومن انتمائهم رتب أعباء كبيرة على وطننا الصغير، قبل أن تعصف بنا ممارسات ليست من تقاليد اللبنانيين، ويجب ألا تكون أبداً في بلد العلم والثقافة والحريات البعيد من العنصرية، ونحن الذين استضفنا كل المضطهدين في العالم، فكيف بالسوريين الذين دهسوا بالروح في بلادهم، وهم يعيشون اليوم في صورة قاتمة وحزينة ومأسوية في ظل انعدام الموقع الأخلاقي للمتسببين بتهجيرهم؟.

لا يمكن أن يكون اللاجئون ضد لبنان وجيشه. نعرف أن البعض يريد للجوئهم الاضطراري أن يتحول مشكلة لبنانية كبرى. هناك من يتلاعب بقضية اللاجئين، فيريد تحويلها الى سلعة يجري تداولها من بعض عنصريي السياسة لتحقيق مكاسب فئوية، وليكون المستفيد الأول ذاك الذي تسبب بتهجيرهم أو كان جزءاً من ترحيلهم. في السياسة يحاولون استغلال قضيتهم ولجوئهم لتمرير رسائل قاتلة، وتضليل اللبنانيين للقول إن حل مشكلاتكم يكون بترحيل أسبابها. وأنتم تعلمون أيها اللبنانيون أن البعض يصوغ نصوصاً كاذبة وخطابات ملتبسة ويناور لضمان تصدره أنه المنقذ. لكن نعرف، وإن كان تأثير اللجوء كبيراً وكارثياً في بعض نواحيه، أن فداحته أكبر بكثير من تأثيرها على بلدنا، وأن الخلل والفساد الذي نعانيه في كل موارد حياتنا لا يتحمل مسؤوليته أهل اللجوء.

ليس تحميل اللجوء مسؤولية أزماتنا طريقاً لحلها. البعض ينفث سمومه بحملات ليقول للبنانيين: كونوا عنصريين، ليس لسبب الا لتوظيف سياسته ومشروعه وحماية ذلك النظام الذي اقتلع شعبه وقتله. ويعلم اللبنانيون أن مشكلتهم كبيرة ومؤسساتهم تعاني وبعضها يغالب، وأخرى يعبث الفساد فيها، والهدر والسرقات تأكل مواردنا، والمياه والكهرباء وبيئتنا في أسوأ أوضاعها. مشكلتنا مستمرة منذ سنوات وصراعاتنا واصطفافاتنا لا يحلها اصطفاف ضد اللاجئ السوري، فهو لم يعبث بفردوسنا، الذي لم نجده يوماً، ولم نراه، فكيف سيأخذه اللاجئ منا؟

ليس اللجوء السوري وأهله الفقراء المشكلة. الأزمة أكبر منا جميعاً، ولا مكان لمصطلحات العنصرية بيننا. ليست معركة اللبنانيين مع السوريين اللاجئين. هم ليسوا أعداءنا. فلنبحث عن مصدر أزمتنا الحقيقية ولنتخذ موقفاً يبنى على أساس مصالحنا الاجتماعية المشتركة والمعاني الأخلاقية الإنسانية، لنؤسس لمعالجة حقيقية لمسألة اللجوء وأعبائها وتداعياتها، قبل أن نسلط سهامنا على اللاجئين الذين لا حول لهم ولا قوة. ولنعترف أيضاً بأن الارهاب يتسلل الى داخلنا قبل أن يعصف بحياة اللاجئين.

نعلم أن الذي تسبب بشتات شعبه، لا يريد إعادتهم إلا وفق روزنامته الخاصة، أو إبقاءهم في المنافي، أو ربما فرزهم لاحقاً طوائف وجماعات وأفراداً. نسأل مجدداً تضامناً مع اللاجئين، وضد الإرهاب، أن يكون هناك من يتولى الجانب الإنساني لعملية عودتهم الى وطنهم. فمن تسبب بالإجرام والتهجير ليس مؤهلاً لاستقبالهم ومعالجة آثار التهجير.

اللاجئون ليسوا مادة ولا سلعة لتحصيل عوائد معينة، ونحن نعرف أن هناك لاعبين كثراً في التوازنات الديموغرافية والطائفية اللبنانية. ستبقى صورة الشتات في أذهاننا وصورة ذاك الفتى اللاجئ الذي لا يستطيع أن يأكل أحياناً. يغادر الفتى ولا نعرف الى أين، لكن الوجهة معروفة. نحن نعرف أن اللاجئين يعانون أوضاعاً صعبة بل كارثية، تقفل أمامهم الأبواب فيقررون الهجرة أو الموت، أو البقاء في الشارع.

اللاجئون ليسوا ضدنا وليسوا أيضاً سبب انقساماتنا. هم اليوم بلا هوية ولا يعرفون الى أي بلد أو كيان ينتمون. وواجبنا التضامن معهم، وإن كنا نعيش الكارثة أيضاً!

[email protected]

twitter: @ihaidar62



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم