السبت - 07 أيلول 2024
close menu

إعلان

معركة جرود عرسال... خريطة جديدة للمنطقة ولبنان جزء خالٍ من الارهاب

المصدر: "النهار"
هدى شديد
معركة جرود عرسال... خريطة جديدة للمنطقة ولبنان جزء خالٍ من الارهاب
معركة جرود عرسال... خريطة جديدة للمنطقة ولبنان جزء خالٍ من الارهاب
A+ A-

ما ان غابت آخر قوافل مسلحي "جبهة النصرة" عن الاراضي اللبنانية ، حتى سيطر "حزب الله" على كل مراكزه ومعسكراته السابقة ورفع علمه على تلك التلال الحاكمة، وصولاً الى خط التماس مع داعش.  

هذه الجرود التي تعد مصدر ثروات لأبناء عرسال أكان بالمقالع أو الكسارات أو مناشير الحجر، كانت حتى الامس أسيرة التنظيم المسلّح الذي احتلها ومنع على أصحابها اما ترهيباً او ترغيباً الوصول اليها وحوَّلها معسكرات وتحصينات عسكرية يصعب اختراقها حتى بالطيران. حتى بساتين المشمش والكرز الشهيرة وقعت تحت أسر المسلحين، ولم يكن يسمح لاصحابها قطفها الا اذا نالوا رضى ابو مالك التي وجماعته المسلحة، ورضيوا بشروطهم وابتزازاتهم.

اخراج "جبهة النصرة" من جرود عرسال وصولاً الى الحدود اللبنانية - السورية يفترض بالمبدأ ان يريح بالدرجة الاولى ابناء عرسال قبل اي طرف آخر، وصمتهم وسط ضجيج المعركة ترك انطباعاً عاماً بالرضى اذا لم يكن بالارتياح، ولكن انكفاءهم مع جلاء غبار المعركة، لا يخفي انزعاجهم المكتوم والذي بدأ يتسرّب همساً. صحيح انهم ضاقوا ذرعاً من استفزاز وابتزاز مسلحي "النصرة" الذين وصل بهم الامر أحياناً كثيرة الى حدّ تهديد من يعارضهم وإصدار فتاوى واحكام شرعية بحقهم ، وصولاً الى حد اقتحام منازل البعض في أي وقت، الا انهم اليوم وكأنهم نسوا ذلك الشرّ وباتوا يهمسون كمن هُزِم مع رحيل النصرة:"رايات "حزب الله" التي رفعت على تلالنا تستفزنا".

صحيح ان اقتلاع هذه الظاهرة الإرهابية من البيئة العرسالية لم يكن مسألة سهلة دون احداث أضرار وتداعيات، وكلام وزير الداخلية نهاد المشنوق ابرز دليل على حساسيتها، بأن أفصح عبر " المؤسسة اللبنانية للإرسال" في برنامج ً"كلام الناس" عن ان قائد الجيش ابلغ السلطة السياسية انه قادر على القيام بمعركة عرسال، ولكن بكلفة بشرية عالية وهو لم يحصل على الموافقة السياسية".

هذه المعركة اذا كانت سياسياً ممنوعة على الجيش وغير متاحة لأبناء عرسال الواقعين في الأسر، فكان يفترض لخوض حزب الله لها ان يشكل لهم حجّ خلاص، الا ان الحساسية المناطقية او المذهبية تكاد تغطي لدى أيناء عرسال على ايجابيات هذا الانتصار الذي حققه الحزب في مواجهة عدوَ مشترك هو الارهاب التكفيري.وهذا الانتصار الذي ما كان ليتحقق بسرعة لو لم يبدأ الهجوم من فليطا السورية، بالتعاون بين حزب الله والجيش السوري ولو لم يكن الاتفاق قد تمّ بين "سرايا اهل الشام" والنظام السوري بوساطة من حزب الله، بحيث وضع مسلّحو هذا التنظيم سلاحهم جابناً وتولّوا الاشراف على مخيمات وادي حميٍد، في حين أقفل الجيش اللبناني كل المعابر المؤدية من الجرود الى عرسال مانعاً اي تسلّل للمسلحين اليها. ومع ذلك تكبّد حزب الله خسائر بشرية ومادية وسقط له عدد من الشهداء والجرحى وثلاثة اسرى في عملية تحرير هذه الجرود.

والصحيح ايضاً ان الجيش اللبناني الذي كان خسر في آب ٢٠١٤ في هجوم إرهابيي"جبهة النصرة" على مراكزه شهداء ووقع له أسرى، كان يتمنى قيادة وضباطاً وعسكريين ان يتولى هو تنفيذ هذا الهجوم وتحقيق هذا الانتصار. ولكن الحسابات السياسية ومحاذير الطائفية من جهة والتنسيق مع الجيش السوري من جهة اخرى أعاقت حركته، والاكيد انه لا يستسيغ شكلاً ولا مضموناً ان يكون لـ" حزب الله" كل هذا الانتشار العسكري الضخم بالتوازي معه على ارض لبنانية.

كل هذه المعطيات وهذه الخطوط الحمر، تدركها قيادة حزب الله من قبل ان تخوض المعركة، وكما رسمت دخول المعركة وضعت ايضاً خريطة طريق للخروج من هذا الميدان. ولذلك، كان الحرص على رفع مقاتليه الاعلام اللبنانية وتوزيع التحيات لضباط وعسكريي الجيش الذين سقطوا شهداء على هذه الارض بصور لهم على التلال المحررة. وعند كل محطة اعلامية، كان المسؤولون الميدانيون في الحزب يشددون على ان حزب الله ينتشر مؤقتاً في كل مراكز ومواقع "النصرة" بعد دحرها، تمهيداً لتسليمها للجيش اللبناني في التوقيت الذي يريده ويلائمه.

كل هذه الوقائع على أهميتها تبدو تفاصيل صغيرة في مشهد كبير: بالامس كان لـ"جبهة النصرة" غطاؤها السياسي الإقليمي ، وكانت مخيمات وادي حميّد خط إمدادها الحيوي المحظور المسّ به.وبالأمس كان طيران الجيش السوري ممنوعاً من التحليق ابعد من اطار نظامه المحاصر. وبالأمس كان محرماً على "حزب الله" القتال على ارض لبنانية الا في مواجهة اسرائيل، وحتى ولو كان العدو مشتركاً وهو "الارهاب التكفيري".ازاء هذا الواقع المستجد، لم يُسمَع صوت اعتراضي الا في بعض الداخل. وبالتزامن مع اسقاط كل الخطوط الحمر السابقة في جرود سلسلة لبنان الشمالية الشرقية، يعلن عن تحضير الجيش اللبناني لمعركته على "داعش" في جرود القاع ورأس بعلبك وصولاً الى الحدود السورية. هنا، ليس ممنوعاً على الجيش خوض المعركة،ويعود له التوقيت ليس فقط في تحديد موعدها بل ايضاً بمدة إبقاء "حزب الله" في جرود عرسال الى ما بعد إطباقه على داعش، فضلاً عن ان تزامن هذه المعركة مع معركة مماثلة قد يخوضها الجيش السوري في المقلب الاخر من الحدود مع سوريا لا يحب ان يكون محط تباين واخذ ورد. وكما نفّذ اتفاق انسحاب النصرة من لبنان عبر فليطة وحمص وصولاً الى أدلب بموافقة ومواكبة من الجهاز الامني التابع للنظام السوري، يأتي في السياق نفسه ما يؤكده شهود عيان عن انسحاب نحو ثلاثمئة مسلح من "تنظيم داعش" تحت جنح التستّر من جرود القاع ورأس بعلبك باتجاه منطقة قارة السورية بالتزامن مع معركة حزب الله ضد "النصرة".

كل هذه التحوّلات تشكل مشهداً واحداً: انها الحرب الواحدة على الارهاب، انخرط الجميع فيها ميدانياً من العراق الى سوريا وصولاً الى لبنان، وخريطة جديدة رسمت للمنطقة ،تأخذ فيها الدول الكبرى دور المُقَرِّر ويعطى للبعض فيها دور شريك متفّذ. وما ينفّذ على الارض هو فقط ما قد كتب بالسياسة .



حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم