السبت - 07 أيلول 2024
close menu

إعلان

دفاعاً عن حدود الدولة اللبنانية

د. عصام خليفة امين الاعلام في الجمعية التاريخية اللبنانية
دفاعاً عن حدود الدولة اللبنانية
دفاعاً عن حدود الدولة اللبنانية
A+ A-

يشبه أحد الباحثين الألمان حدود الدول، بجلد الجسم. فاذا التهب الجلد التهب الجسم. من هنا واجب الدول ان تهتم بحدودها وان تسهر على الوثائق المتعلقة بها.

 وقد اتفق المتخصصون على ان كل خط حدودي بين دولتين يمر بعدة مراحل:

- التعريف définition ويتمثّل بتسمية الأماكن الطبيعية (قرى، مدن، أنهر، جبال الخ...) التي يمر بها هذا الخط.

- التحديد délimitation يتجسد بقيام لجنة من الخبراء بنقل ما تم الاتفاق عليه نظرياً الى الخرائط، أي أن خط الحدود برسم على الخريطة.

- الترسيم démarcation وهذا يعني الانتقال من الخرائط الى التطبيق الميداني على الأرض. حيث يقوم مسّاحون وطوبوغراف وعسكريون وخبراء بوضع نقاط مرقّمة على امتداد الخط الحدودي. وتكون هذه النقاط مرقّمة وبارزة للعيان ويجب ان تشاهد هذه النقاط بين الواحدة والأخرى. وثمة نقاط أساسية وبينها هناك نقاط ثانوية. ولكل نقطة احداثية معينة، ويتم وضع محضر خطي مع ارقام واحداثيات النقاط الحدودية، مرفقة بخريطة موقّع عليها بين الأطراف المعنية بخط الحدود.

- التثبيت Fixation: يودع الاتفاق الخطي مع ارقام النقاط الحدودية واحداثيّاتها وخرائطها وتواقيع ممثلي الدول المعنية، لدى دائرة الخرائط في الأمم المتحدة. وسابقاً في عصبة الأمم.

- الإدارة administration تقوم السلطات الحكومية من جهتي الحدود بالحفاظ على نقاط الحدود الأساسية والثانوية وتقوم بتجديدها ورعايتها واحترامها.

اذا انطلقنا من هذه المعايير العامة في القانون الدولي وطبقناها على الحدود الجنوبية للدولة اللبنانية، فماذا نلاحظ:

1- تعريف الحدود اللبنانية عامة قد حصل من خلال القرار 318 الذي أصدره الجنرال غورو في 31 آب عام 1920 مع خريطة مرفقة بالقرار(1).

2- عملية التحديد: في 23 كانون الأول 1920 حصل اتفاق بين فرنسا وبريطانيا تم فيه تحديد الحدود بين دولتي سوريا ولبنان الواقعتين تحت الانتداب الفرنسي، والعراق وفلسطين الواقعتين تحت الانتداب البريطاني، من جهة أخرى. وقد نصت المادة الثانية من هذا الاتفاق على تأسيس لجنة خلال ثلاثة أشهر تقوم بترسيم الخط الحدودي على الأرض وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى(2).

3- عملية الترسيم: في أول حزيران 1921 اجتمعت لجنة ترسيم الحدود وبدأت عملها (برئاسة Paulet عن فرنسا و New comb عن بريطانيا (. وفي 3 شباط 1922 وقّع المسؤولان الفرنسي والانجليزي اتفاق ترسيم الحدود وقد حمل العنوان التالي (التقرير الختامي لتثبيت الحدود بين لبنان الكبير وسوريا من جهة وفلسطين من جهة أخرى). وفي 7 آب 1923 ابرمت الاتفاقية وأصبح هذا الترسيم معمولاً به ابتداء من 10 آذار 1923(3). عدد النقاط بين لبنان وفلسطين 38 نقطة. ولكن هناك حدود لبنانية فلسطينية بعد هذه النقطة (قرية النخيلة) ولكنها لا تصل الى النقطة 39 التي تقع بين سوريا وفلسطين.

4- عملية التثبيت: في 4 شباط 1924 أودع محضر هذا الترسيم الى عصبة الأمم فاقر، وهكذا أصبحت الحدود دولية.

ملاحظة: مطلوب من الحكومة اللبنانية ان توعز الى سفيرنا في جنيف بتصوير محضر هذا الإقرار والموجود في أرشيف عصبة الأمم ووضعه في متناول المسؤولين اللبنانيين.

5- إدارة الحدود: حرصت السلطات الفرنسية والانجليزية على إدارة الحدود حتى انهما وقعتا في 2 شباط 1926 الاتفاق الذي دعي (اتفاق حس الجوار المؤلف من 11 مادة).

6- في 29 أيلول 1947 اخذت الأمم المتحدة القرار 181 القاضي بحل الدولتين في فلسطين. وبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 تم التوقيع، في 23 آذار 1949، على اتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل. وقد نصت المادة الخامسة من الاتفاقية على ما يلي:

"أ- يجب ان يتبع خط الهدنة الدائمة الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين..."

في العام 1949 (11 أيار) تمت الموافقة على انضمام إسرائيل الى الأمم المتحدة. وعلى نحو استثنائي فقد ربطت عضويتها بشروط وردت في مقدمة القرار: "... ومع الاخذ بعين الاعتبار التصريحات والشروع التي قدمها ممثلو حكومة إسرائيل امام اللجنة السياسية الدائمة، والتي تعهدوا فيها بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتخذة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 (المتعلقة بالحدود) وفي الحادي عشر من كانون الأول 1948 (العودة او التعويض عن اللاجئين) فان الجمعية العامة تقرر قبول إسرائيل في عضوية الأمم المتحدة".

ملاحظة: المطلوب من مندوبنا في الأمم المتحدة تصوير هذا المحضر من أرشيف الأمم المتحدة وايداعه وزارة الخارجية اللبنانية.

7- تثبيت نقاط خط بوله-نيوكومب: قامت لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، وبإشراف الأمم المتحدة، بعملية مسح جديدة للحدود بين 5 و 15 كانون الأول 1949 وتم وضع تقرير من 12 مادة، حيث تم تثبيت النقاط الحدودية (BP1 – BP38)، كما تم وضع 96 مَعْلَم وسيط (B1 – B96). كما وضعت عواميد واشارات ميدانية لإظهار الحدود. وكانت الخريطة 20000/1 Palestine والخريطة 50000/1 Levant هما المرجع في الترسيم(5).

ملاحظة: يجب ابراز الخريطة المرفقة بالاتفاق في ملف المسؤولين اللبنانيين (موافقة إسرائيل على خط اتفاق بوله-نيوكومب)

8- محضر اجتماع 18/1/1961: هذا الاجتماع حضره عن الجانب الإسرائيلي الماجور غاشا كرئيس للوفد والأعضاء سولن وكوسنسكي وشيتريج، وكان العقيد انور كرم رئيس الوفد اللبناني لدى لجنة الهدنة المشتركة، وبحضور مراقبين من الأمم المتحدة. ولقد تم الاتفاق، في هذا المحضر، على الانتهاء من وضع الشارات الـ 38 ما عدا النقاط الثانوية في منطقة الشارة 38

ملاحظة: يجب إيجاد هذا المحضر من أرشيف لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، وايداعه المراجع الرسمية.

9- محضر اجتماع 28/3/1967: في هذا الاجتماع حضر عن الجانب اللبناني الملازم اول روجيه ناصيف، المهندس ايلي قاعي والنائب الأول ايلي نخلة، وعن الجانب الإسرائيلي السيد مزراحي والكولونيل سبان وعن هيئة الرقابة الدولية الكولونيل ماليتزي والنقيب فان مار. وكان من المفترض ان يتم التوقيع على 8 خرائط.

ملاحظة: يجب إيجاد هذه الخرائط من أرشيف لجنة الهدنة اللبنانية – الإسرائيلية، وايداعه المراجع الرسمية.

10- بعد حرب حزيران 1967 بدأت إسرائيل باحتلال النخيلة ومزارع شبعا على مراحل. وحاولت ان تعلّق العمل باتفاق الهدنة معتبرة إياها ساقطة. لكن الدولة اللبنانية والأمم المتحدة اكدا التمسك بهذه الاتفاقية.

في العام 1978 اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان (عملية الليطاني) وقد صدر عن الأمم المتحدة القرار 425 والقرار 426 حيث يجب الانسحاب الى الحدود المعترف بها دولياً. وكذلك قامت إسرائيل باجتياح آخر عام 1982. وفي 24 أيار 2000 أجبرت إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان وزعمت انها تنفذ القرار 425. وقد وافقت الحكومة اللبنانية على الخط الأزرق كخط انسحاب مع بعض التحفظات.

وقد استعاد لبنان 17.751.600 م2 كانت أراضي مقتطعة من قبل إسرائيل.

11- وبالمقارنة بين الخط الأزرق وخط بوله – نيوكومب نلاحظ وجود تباين في 13 نقطة. ومجموع مساحة الأراضي المتحفظ عليها بين لبنان وإسرائيل 485487 م2.

ونقاط التحفظ هي التالية: راس الناقورة 3314 م2، علما الشعب 33273 م2، علما الشعب 1415 م2، علما الشعب 7358 م2، البستان 3824 م2، مروحين 491، رميش 105168 م2، يارون ومارون الراس 12560، بليدا 6950، ميس الجبل 793 م2، العديسة 144866 م2، العديسة- كفركلا 12734 م2، المطلة – الوزاني 152659 م2. بالإضافة الى هذه النقاط، هناك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية النخيلة وقرية الغجر وهي بموازاة الحدود اللبنانية مع الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل. وقد برهنّا بالوثائق ان هناك ترسيم حدود في منطقة المزارع بين لبنان وسوريا منذ العام 1946، وان خط وادي العسل هو خط الحدود بين سوريا ولبنان.

12- بالنسبة للمنطقة الاقتصادية البحرية قام لبنان بتطبيق مندرجات الاتفاقية الدولية لقانون البحار التي وقع عليها لبنان بموجب القانون رقم 295 تاريخ 22/2/1994، لاسيما المواد 5، 7، 14، 15، 16، 55، 56، 57، 58، 59، 60، 63، 73، 74. بينما إسرائيل لم توقع على هذه الاتفاقية الدولية.

وتعتدي إسرائيل على المنقطة الاقتصادية اللبنانية وتطالب بمساحة 860 كلم2. كما طرح الجانب الأميركي اقتسام هذه المنطقة بإعطاء لبنان 468 كلم2 وإعطاء إسرائيل 392 كلم2. وقد رفض لبنان هذا الاقتراح ويجب ان يستمر في رفضه.

اقتراحات عملية:

 ان الأزمة الحالية حول حدودنا البرية والبحرية هي أزمة بالغة الخطورة ويجب ان نواجهها متسلحين بالوحدة الوطنية وبالقانون الدولي المدعوم بالوثائق وبالحكمة والشجاعة التي تبتعد عن التهور.

 من هذا الموقع نقترح على المسؤولين مجموعتين من الأفكار:

1- تجميع كل الوثائق والمحاضر التي أشرنا اليها وايداعها الأمم المتحدة وجميع أعضاء مجلس الامن وكل الدول، وذلك لإبراز تطابق الموقف اللبناني مع القانون الدولي.

وهذا يتطلب ترجمة مذكرات توضيحية بلغات عدة.

2- تكوين خلية أزمة يكون من أعضائها: جميع رؤساء اللجان العسكرية اللبنانية – الإسرائيلية السابقين، الضباط المتخصصون في مديرية الشؤون الجغرافية في موضوع الحدود والاحداثيات، ديبلوماسيون محنكون، مسّاحون وطوبوغراف متمرسون، جغرافيون، مؤرخون متخصصون بالموضوع، وتكون اجتماعاتها مفتوحة وسرية وبعيدة عن الارتهان السياسي الداخلي او الخارجي وتكون المصلحة اللبنانية العليا هي المرجع وهي الأساس.

ان الصراع على ابار النفط في شرق المتوسط، يمتزج حالياً مع الاطماع التاريخية بالمياه والأرض من قبل إسرائيل. وان المشرق العربي، من خلال ما جرى ويجري في سوريا والعراق والضفة الغربية والقدس، يتعرض لمخططات خطيرة في مراميها وابعادها ونتائجها الكارثية على شعوبنا، اذا ام نحسن مواجهتها.

والمطلوب ان نتوحد كلبنانيين، وان لا نكون بيادق في لعبة الأمم من القوى القريبة والبعيدة، وان نكون أقوياء في صمودنا دفاعاً عن وحدة واستقلال وسيادة دولتنا اللبنانية، وان نحسن الدفاع عن مصالحنا وثرواتنا في البر والبحر، وبذلك نكون أمناء على النداء الذي وجهه قادة القضية اللبنانية منذ مئة عام الى شعبنا من القاهرة (1 كانون الأول 1918): "ليحيا الاستقلال بضمانة الدول. وليحيا لبنان مستقلاً، قوته لنفسه وخيره لبنيه سيدً لا مسوداً، وحراً لا عبداً".


الهوامش


1- راجع كتابنا. لبنان المياه والحدود 1916 – 1975، ج1، بيروت، 2012، ص 235-236.

2- نص الاتفاق، المرجع السابق، ص 88-93. والخريطة المرفقة بالاتفاق راجع كتابنا الحدود الجنوبية للبنان بين مواقف نخب الطوائف والصراع الدولي (1908 – 1936)، بيروت، 2009، ص 164.

3- نص الاتفاق، في كتابنا المياه والحدود 1916 – 1975، المرجع السابق، ص 94-98. والخريطة الملحقة ص 100-101.

4- نص الاتفاق في كتابنا، الحدود الجنوبية للبنان، المرجع السابق، ص 136 – 143.

5- راجع نص الاتفاق في كتابنا لبنان المياه والحدود، المرجع السابق، ص 82-86.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم