السبت - 07 أيلول 2024
close menu

إعلان

الانجرار اللإرادي إلى حرب المذاهب

برآء صبري
الانجرار اللإرادي إلى حرب المذاهب
الانجرار اللإرادي إلى حرب المذاهب
A+ A-

خلال سنوات الحرب التي لم ينتهِ أوارها في سوريا والعراق حتى اللحظة، تميزت القوات الكردية في كردستان العراق وشقيقتها في شمال شرقي سوريا بقدرتهما على تفادي الوقوع بفخاخ الحرب الطائفية المنتشرة في المنطقة، والتي فيما يبدو أن نارها ستتّقد في كل مرة تجد لها القليل من الأوكسجين، والحيز، والوقود البشري. كانت قوات البيشمركة تقاتل في معمعة الحرب السنية الشيعية في العراق، وظلت تسير على جسر السلامة البعيد عن المذهبية رغم اصطدام قوات متطرفة من جانبي الصراع المذهبي في شمال وغرب العراق على مقربة من تخومها! في نفس الوقت الذي كانت قوات سورية الديمقراطية ذات التشكيل المتنوع (عربي - كردي - مسيحي) تعاني الاتهامات حيناً من قبل المعارضة السورية بميلها للنظام، وإيران، وروسيا، وفي حين آخر من النظام السوري بتواطئها المفترض مع تنظيم داعش في مناطق كدير الزور، والرقة، ومنبج، وبالعمالة للغرب وعلى رأسها أميركا! والحال، أنه مع نهاية المعارك الرسمية خرجت قوات البيشمركة بنجاح سليمة من كل الاتهامات الطائفية، ووقفت بهدوء على جبهاتها الحالية دون ضجيج. لكن، ومع انتهاء المعركة الرسمية ضد تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي على يد قوات سورية الديمقراطية في سوريا، تظهر ملامح فخ تدخل إليه تلك القوات دون إدراك في ما يبدو، ويدفعها إليه بعض الدول الأوروبية الأنانية التي ترفض استلام مواطنيها من عناصر تنظيم داعش المحتجزين لدى "قسد" حالياً. ذلك الفخ الذي إن تم سيحوّل تلك القوات بصورة غير مقصودة إلى جزء من الصراع المذهبي في المنطقة، وسيحوّل تلك القوات إلى هدف سهل المنال، وخاصةً أن مناطق السيطرة الخاصة بها هي مناطق ذات كثافة مذهبية سنية، وقريبة من حدود أعداء كثر حيث النظام السوري، وإيران، وروسيا، جنوباً، وتركيا والمعارضة السورية السنية شمالاً، وغرباً، وبالإضافة إلى أن الخلايا الإرهابية لتنظيم داعش في كل مكان رغم خمودها الحالي.

الهروب الغربي المستمر من مواجهة القضايا الحساسة ومحاولته طمسها بعيداً عن حدوده الرسمية شيء مثير للريبة. وكأنه يجد في هذه البقعة من العالم مكب نفايات له. حاولت "قسد" توجيه نداءات لتلك الدول للتوجه لاستلام رعاياها، ووصل الحال بها إلى التهديد بإطلاق سراحهم ذات يوم، ولكن دون فائدة، وبعد أن أصبح ملف الانسحاب الأميركي سيد الموقف العام طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنفسه من الدول ذاتها سحب تلك العناصر المحتجزة من شرق الفرات، ومجدداً دون نتيجة تذكر. الطرح الذي يتم تسريبه بين الفينة والأخرى، والمتركز حول نقل هؤلاء العناصر إلى الحكومة العراقية لتقوم هي بمحاكمتهم في بغداد نيابة عن بلدانهم الأصلية هو تسويق لنزاع جديد أساسه "العمالة للغرب لصالح تقوية الشيعة على حساب السنة". شيء من الوقود الذي يسوّق لزيادة الاحتقان المذهبي في المنطقة المنهكة أصلاً من حروب متداخلة. ويهدف لتوريط من تبقى من جهات محايدة مذهبياً في تلك المعارك التي لا تنتهي.

عمليات تسليم عناصر التنظيم الإرهابي إلى الحكومة العراقية مستمرة. ولكن، حتى اللحظة معظمهم عناصر يحملون الجنسية العراقية، وإن كان هناك بينهم البعض من الأجانب الذين يصلون إلى بغداد لترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية، وهي عملية مقبولة نسبياً، وتسير حسب القانون الدولي. ولكن، الخطير في القضية كلها هي في احتمالية تسليم "قسد" العناصر الأجانب للسلطات العراقية بغرض محاكمتهم أمام المحاكم العراقية غير الجديرة بالثقة أصلاً، والتي ستنهي بهم إلى المشانق، ما سيوفر مادة للتسويق الإعلامي للجماعات الجهادية المتطرفة ضد القوات الكردية في سوريا. لن يخسر الغرب إن جرت المحاكم في بغداد، وسيتفادى إعلامها قدر الإمكان الهروب من تلك التفاصيل، ولكن، الخاسر الوحيد هي قوات سورية الديمقراطية التي تسير أصلاً على جسر الاتهامات لصالح الميول الطائفية والنزعات القومية. ستكون الخدمة التي قدمتها تلك القوات للبشرية باعتقال تلك العناصر المخيفة عبارة عن نقمة لها. وسيكون الوقت قد فات لتبرير الفعلة غير المقصودة تلك. تشكيل عداءات، والنواح عليها، وتزيينها بإنشادات دينية عن جراحات متخيلة فرصة يبحث عنها كل تجمع مقاتل متطرف.

رغم أن إعلان النصر ضد داعش هو إعلان نصر ضد تنظيم فتك بجميع الجهات ذات الشأن حتى السنية منها، إلا أن انتشار الفيديوات الشعبية المطالبة بالانتقام من "قسد" والتحالف الدولي بسبب تنظيمهم احتفال النصر على داعش في الباغوز قبل أيام مؤشر لمدى التحريض الممكن حدوثه عندما ستتحدث الأخبار عن تسليم قوات سورية الديمقراطية لمقاتلين جهاديين سنة وعوائلهم للحكومة العراقية التي تتهمها الجماعات السنية المتطرفة مسبقاً بالعمالة لإيران الشيعية. وخاصة عندما ينفذ فيهم حكم الإعدام المتوقع. لا يُمحى من الذاكرة أن النظام السوري يروج ضد تشويه "قسد" بعد تأكدها من أن الجيش الأميركي سيترك حاميتين له في سوريا، وهذا بالطبع عدا عن الترويج الحاقد المسبق، والمشهور للحكومة التركية ضد الأكراد بوصفهم ملاحدة، وكفار يحتقرون الدين. ومن المفهوم أن مدى قساوة الإبقاء على هؤلاء القادة والعناصر من تنظيم الدولة الإسلامية تحت سيطرة قوات سورية الديمقراطية بالنسبة لأهالي الضحايا، ومدى التكلفة المالية واللوجستية التي تحتاج إليها قوات سورية الديمقراطية للتعامل مع هكذا عدد من العناصر الخطيرة والمعتقلة لديها، إلا أنه أفضل بكثير من تحويلهم إلى مادة مضادة ستولّد ضحايا جدداً لن يتحمل ضغوطها وتكلفتها أحد.

التواصل المستمر مع الجهات الدولية المسؤولة لسحب رعاياهم من عناصر التنظيم، ومحاكمتهم هناك سيكون الخيار الأمثل أمام "قسد" أو عليها العمل على تأمين محاكمات عادلة لتلك العناصر الإرهابية في مناطق شرق الفرات، ودون ضجيج إعلامي مرافق كونه الحل الثاني الأمثل المتوفر للطرح حالياً. وحتى لو طُلب من "قسد" تسليم عناصر دولة ما إلى العراق لمحاكمتهم هناك عليها أن ترفق التسليم ببيانات واضحة للعالم بأن التسليم جاء بطلب من الدولة الأصلية، ودون تدخل منها، لكي لا يتحول لون اللباس الذي يتم إلباسه للأسرى لدى قادة عمليات الانتقام للتنظيمات القادمة من المتطرفين من البرتقالي إلى اللون المفترض أنه رمز لقسد أي الأصفر بالطبع.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم