النهار

عن انتصارنا الذي يبهج الأعداء
المسألة ليست هنا، ولا يجوز لها أن تكون. فالخلاف على البديهيات يعني احتياج النهار إلى دليل. بما لا يصح معه في الأذهان شيء. هي في مكان آخر قد يكون أقل جذرية لكنه بالتأكيد أكثر تعقيداً.
A+   A-

علي العزير

 

 

 

عرضت الشاشات أخيراً تسجيلاً مرئياً للشاب أحمد فرحات الذي نعاه ذووه شهيداً مفقود الأثر ثم عاد لهم حياً بعد أن كان قد انقطع التواصل معه. يظهر المشهد والدة الشهيد العائد تستقبله بفرح لا يتسع له الكون على رحابته. أم أحمد كانت قد عبرت عن اعتزازها بشهادته. لكن فرحة اللقاء بدت أصدق، بما لا يقاس، على وجه الأم المعانقة لابنها، من ملامح الصبر المرتسمة فوق قسمات الثكلى المحتسبة.

لا يحتاج الأمر إلى نقاش للاستنتاج أن اسرائيل عدو محتل، شرس، مجرم، متطرف، قاتل للأبرياء، في مقدمهم العزل والأطفال والنساء. ولا يتطلب الواقع وضوحاً إضافياً ليتيح الحسم والجزم بأن المواجهة مع عدو بهذه الضراوة ضرورة حتمية طال الزمن أم قصر.

كذلك، ليس مادة للحوار أن المقاومين، الذين تصدوا للجيش الإسرائيلي بدءاً من العام 1982 حتى الشهرين الماضيين، هم فئة نادرة من البشر تستحق التقدير وما يفوقه من المزايا والصفات، سواء لجهة الشجاعة والبراعة، اللتين أبدوهما في الميدان، أو اعتماداً على ثباتهم الاستثنائي في مواجهة عدو يتخطاهم عدداً وعدة وتدريباً وتسليحاً بأضعاف مضاعفة.

المسألة ليست هنا، ولا يجوز لها أن تكون. فالخلاف على البديهيات يعني احتياج النهار إلى دليل. بما لا يصح معه في الأذهان شيء. هي في مكان آخر قد يكون أقل جذرية لكنه بالتأكيد أكثر تعقيداً.

المسألة في إصرار مكوّن لبناني فاعل، حاضن لتلك الكوكبة المقاومة، على الانطلاق من بديهية مزعومة، مفادها أنه أشرف الناس، ليقدم نفسه بديلاً عن كل الناس ممن يشكلون باقي المكونات، التي يتشكل منها الوطن المفترض، حيث يكون عليه أن يلغي الآخرين، وأن يحيلهم إلى شهود زور على ما يراه حقاً وحقيقة لا يلامسها الشك

المسألة تالياً في تكريس معادلات مصيرية تطال الجميع، لكنها تُبنى وفق مفاهيم ومعايير تخصّ المكون نفسه، ولا يبقى أمام الشركاء سوى الخضوع لها تحت طائل اتّساع المسافة القيمية بينهم وبين الحائزين على صفة أفعل التفضيل الشرفي. في طليعة تلك المعادلات قرارات الحرب غير المتكافئة، التي يدفع المدنيون أثمانها المكلفة من دمائهم وأرواح أحبتهم وجنى أعمارهم.

المسألة استطراداً في دفع البلاد والعباد نحو إرهاصات مدمرة لا توفر أحداً. قد يشعر أصحابها في لحظات الحقيقة المفجعة أنهم تسرعوا في وضعها موضع التنفيذ. لكن ذلك لا يقلل من كون مواقفهم وقراراتهم غير قابلة للنقاش؛ ومن أنها ليست خاضعة للانتقاد أيضاً، كما لا يغيّر من إيجابية مزعومة للنتائج مهما بلغت الخسائر.

المسألة بأوضح تكمن في التعاطي مع الموت الجماعي المجاني، ومع المآسي والتدمير التهجير باعتبارها نصراً لا لبس فيه؛ نصر يشوبه من الذل والخسارة والألم ما يجعل أعداءنا يتمنونه لنا كل يوم. نصر قد يحتفي به بعض الناس وفي عيونهم ما كان في عيني أم أحمد يوم تبلغت نبأ شهادته، فيما يخفون في قلوبهم توقاً مستعراً لعناق الأحبة الغائبين

 

 

اقرأ في النهار Premium