النهار

"غلادياتر 2" ... ريدلي سكوت عاد حقاً عاد!
زياد عبدالله
المصدر: دبي- النهار
"غلادياتر 2" ... ريدلي سكوت عاد حقاً عاد!
من الفيلم
A+   A-

من شاهد "غلادياتر" Gladiator (2000) وهو في العشرين من عمره سيكون في الرابعة والأربعين وهو يشاهد الجزء الثاني، الذي بدأ عرضه مع عطلة نهاية الأسبوع الماضي في صالات السينما الإماراتية، أما مخرجه ريدلي سكوت فقد أصبح في السابعة والثمانين، هو الذي كان في الثالثة والستين حين أخرج الجزء الأول.

يبدو واضحاً أن سكوت غير مبالٍ بتقدمه بالعمر، ولا يجد فيه أي عائق يحول بينه وبين تقديم هذا الفيلم أو غيره من مشاريع مستقبلية سواء إخراجاً أو إنتاجاً ، وهو يقول عن "غلادياتر 2" في لقاء معه في "نيويورك تايمز": "إن عملاً على هذا المستوى، يشعرنني بأنني حي. ما من توتر في مشاعري، بل أدرينالين، وهذا جيد وصحي".

حديث سكوت عن الأدرينالين، يدعونا للقول إنه متخصص بتحريكه وتصعيده لدى الجمهور، فهو مخرج المتعة والتشويق والخيال العلمي والإثارة، تارة يقتطع حقبة أو شخصية من التاريخ، إذ يعود إلى القرون الوسطى والحروب الصليبية وروبن هوود، ويمضي بصحبة كريستوفر كولومبوس وصلاح الدين ونابليون، وأخرى يمضي مع الفنتازيا والدكتور هانيبال ليكتور وكائنات رواد الفضاء، ومستقبل لا نعود نميز فيه الإنسان الحقيقي من الآلي، وأجناس أفلام أخرى في الجاسوسية والعصابات، وحكاية تلك المروحية الأميركية التي سقطت في الصومال، بحيث يصعب حصر أفلامه إلّا بإدراجها جميعاً في خانة المتعة والتشويق، بوصفه سينمائي التسلية البصرية الممتعة والمتقنة، والإنتاجات الضخمة، وعينه على الدوام على شباك التذاكر، الذي لا يعرف الرحمة.

 

جمهور الهواتف اللعينة

يُعتبر"غلادياتر" أحد أنجح أفلام سكوت سواء على صعيد الإيرادات، أو على صعيد الجوائز ، بحيث فاز بأوسكار أفضل فيلم وأفضل ممثل في دور رئيس لراسل كرو، من أصل 5 ترشيحات، تضيفة إلى جوائز كثيرة، إلّا أن هذا الزمن الطويل بين الجزء الأول والثاني، سيضع سكوت أمام "جمهور الهواتف اللعينة" مجدداً، على حدّ وصفه لجمهور الألفية الثالثة، بعد الفشل التجاري لفيلمه "المبارزة الأخيرة" The Last Duel (2021)، الذي كانت ميزانتيه 100 مليون دولار، ولم يحقق سوى 27 مليون دولار في إيرادات شباك التذاكر. ففي رأيه فإن جيل الألفية الثالثة لا يعرف شيئاً، ما لم يتمّ تمريره عبر الجوال. ولعل تصريح سكوت استوقفني كثيراً حينها، خصوصاً أن "المبارزة الأخيرة" فيلم جميل ومهم بحق، وافترضت أن فيه كل عناصر النجاح التجاري، ما قادني إلى التساؤل: هل أصبح ريدلي سكوت موضة قديمة في عصر منصات البث، والمسلسلات ذات الإنتاجات الضخمة مثل "صراع العروش" وغيرها الكثير؟ هل حقاً أن الأجيال الجديدة لا تبهرها أفلامه، ويجدها ربما حلقة من مسلسل تاريخي أو فنتازي؟ لكن سكوت نفسه تولى الإجابة عن تلك التساؤلات بأن قدّم "نابليون" العام الماضي، وها هو يقدّم "غلادياتر 2"، وكل المؤشرات الأولية تشير إلى أن هذا الأخير في صدد تحقيق نجاح مدوٍ، لا بل تمّ الإعلان عن جزء ثالث من الفيلم!

 

صنيع ريدلي سكوت

ماذا فعل سكوت لنتحدث عن نجاح مدوٍ، وكيف توصل مع كاتبي السيناريو بيتر كريج وديفيد سكاربا إلى الانتقال بالشخصيات والحكاية التي خلقها ديفيد فرانزوني في الجزء الأول، وتشارك كتابة السيناريو معه حينها جون لوغان ووليم نيكلسون، فالغلادياتر ماكسيموس (راسل كرو) مات في الجزء الأول، كذا هو كومودوس (خواكين فينيكس)، فكيف له أن يبعث حياً!

بداية "غلادياتر 2" مدهشة، محفّزة، حب وحرب، شجاعة وموت، عبودية وظلم. الأسطول الروماني متجه إلى نوميديا بقيادة الجنرال ماركوس أكاسيوس (بيدرو باسكال)، ورهان الامبراطور النوميدي جوبارثا (بيتر مينساه) على  لوشيوس (بول ميسكال) وحبيبته أريشات (يوفال جونين)، مناجيق تقذف حمماً متبادلة، أسهم نارية وغير نارية، ولتصل السفن الرومانية بعدئذٍ، وينشب القتال وجهاً لوجه، فإذا بأريشات تُصاب بسهم يهوي بها من أعلى السور إلى البحر، وليتبعها لوشيوس إلى قاع البحر.

مع حدوث ذلك،  تذهب الألوان ويصبح كل شيء بالأبيض والأسود، وهناك يظهر رجلان متشحان بالسواد على طوف، يأخذ واحد منهما بيد أريشات وتمضي معهما، ويتركان لوشيوس، فإذا هو يعود إلى الحياة، لكن كعبد يُقتاد إلى روما مع جوبارثا ومن تبقّى من جنود، بينما يحرق الرومان القتلى على مدّ البصر.

 

لوشيوس بخير

مع ربع الساعة الأول من الفيلم، يتبدّى مأزق البطل وصراعه، وهذا المأزق سيمسي مآزق، ماكسيموس في الجزء الأول، القائد الروماني المظفر، المنتصر على الجرمان، ومحط ثقة الإمبراطور الذي يريده وصياً على الحكم بعد وفاته وليس ابنه كومودوس، سرعان ما يُقتل على يد هذا الأخير، ويسعى إلى قتل ماكسيموس، فإذا به ينجو من الموت ليُقتاد عبداً بعد مقتل ابنه وزوجته وحرق بيته ومزرعته، بينما سيكون لوشيوس بعيداً من روما، ومختلفاً شكلاً عن سكّان نوميديا (تقع في شمال إفريقيا، وتحديداً في المنطقة الممتدة بين شرق الجزائر وغرب تونس حالياً)، إنه أبيض ووافد عليهم كما سيتضح من حديث جوبارثا، وهو يشيد بسرعة تعلّمه لغتهم وكل ما هو متصل بقوم جوبارثا.

مع اقتياد لوشيوس إلى روما عبداً يتحول إلى مصارع، وسيظهر ماكرينوس (دانزل واشنطن) الداهية، العبد السابق الذي اشترى حريته بانتصاراته بالمصارعة وأمسى سيداً، ومن ثم لاعباً أساسياً في سياسات الإمبراطورية الرومانية في ظل الحكم المشترك لكل من جيتا وكراكلا، وليبقى تحول لوشيوس إلى عنصر مفصلي في الصراع السياسي والمؤامرات التي تحاك في الامبراطورية أمراً مستبعداً في البداية، فإذا هو كل الحكاية، فبعد أن يكون كل هدفه هو قتل ماركوس أكاسيوس الذي تسبب بمقتل حبيبته، فإنه لا يُقدم على قتله حين تتاح أمامه الفرصة، كما أن معرفة من يكون لوشيوس رومانياً وما الصلة التي تجمعه بـ لوسيليا (كوني نيلسن) ابنة الامبراطور في الجزء الأول، ستضعنا أمام ربط منطقي وجميل مع الجزء الأول، ولتحضر في هذا السياق عبارة راسل كرو الأخيرة في الجزء الأول: "لوشيوس بخير".

ينوّع الفيلم في مشاهده وتكويناتها، وله أن يكون تاريخياً سحرياً بالأزياء والقصور والعتاد، بالتوازي مع الفنتازيا، بدءاً من تلك القرود التي تهاجم لوشيوس ورفاقه في أول نزال لهم، مروراً بالفارس الممتطي لوحيد القرن، وصولاً إلى غمر الكولوزيوم بالمياه وتحويل النزال إلى صراع بين سفينتين، من يقع منهما في المياه تلتهمه أسماك القرش، فلا يبقى لنا إلّا أن نردد في النهاية، كما راسل كرو في الجزء الأول: "لوشيوس بخير"، وبالتالي ثمة جزء ثالث يلوح بالأفق. 


الأكثر قراءة

سياسة 11/23/2024 7:37:00 AM
أعلن برنامج "مكافآت من أجل العدالة" عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار أميركي مقابل الإدلاء بمعلومات عن طلال حمية المعروف أيضاً باسم عصمت ميزاراني
سياسة 11/23/2024 9:48:00 AM
إسرائيل هاجمت فجر اليوم في بيروت مبنى كان يتواجد فيه رئيس قسم العمليات في "حزب الله"، محمد حيدر

اقرأ في النهار Premium