النهار

"عاشق مصر" في ذكرى ميلاده... صفحات من حياة الفلسطيني أحمد عمر شاهين
حسين عبدالرحيم
المصدر: القاهرة- النهار العربي
أحاول أن "أنكش" أثر الراحل العظيم المترجم المبدع الفلسطيني المولد مصري الهوى... عم أحمد عمر شاهين.
"عاشق مصر" في ذكرى ميلاده... صفحات من حياة الفلسطيني أحمد عمر شاهين
الكاتب وأغلفته
A+   A-
 
 
أحاول أن "أنكش" أثر الراحل العظيم المترجم المبدع الفلسطيني المولد مصري الهوى... عم أحمد عمر شاهين.
مدرّس الثانوي ترك التدريس في الـ50 من عمره وتعلّم اللغة الإنكليزية باحتراف فترجم غونتر غراس، ولوبسانج رامبا، وآلن غينسبرغ، رائد حركة شعراء الغضب، وكولن ويلسون في "الحاسة السادسة" وإيمانويل راسن "امرأة تبوح بأسرارها". 
سكن عم أحمد قريبًا من مسجد تمراز الأحمدي وشارع بورسعيد، وخلال 20 عاماً تحوّل بيته الى متحف كلّه ونس. 
عندما كنت أوصله في صحبةٍ تدوم ساعات من التحرير مرورًا بعابدين، كان يُظهر موقفه الوجودي الرافض للعدمية ومحبة للحياة تفوق العشق. 
 
أحمد عمر شاهين كتب أكثر من 10 روايات ونصوص قصصية مهمّة، بل يصّح القول فيها إنّها خطيرة مثل "المندل" وأعمال عديدة أخرى، تعرّض فيها بالرصد الفني والجمالي لمحاولات التصفية التي تعرّض لها كثيرون في حركة ومنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج. 
 
روايات في غاية الدقّة الحسيّة والفراسة كنت أشعر، مع قراءتها، بثقل وطأة الخوف والرعب على كل الخارجين على قوانين الفشل في مسألة الكفاح المسلّح عبر تاريخ طويل من النضال والتجلّي بالقضية الفلسطينية، فمنهم من قُتلوا أو اغتيلوا في فرنسا تحديدًا. عمي أحمد له عندي كتب كثيرة، على صفحاتها الأولى إهداءات بتوقيعه، تُشعرني بأنّ حبه كان سابقاً كل البشر، كأنّه حبّ للإنسانية وللبني آدم، حب مجرّد بجدارة وعشق لا يموت ولا ينتهي.
 
جالَسَ عم أحمد الأستاذ نجيب محفوظ ويوسف إدريس وكامل زهيري ووجيه وهبه وهبة عنايت وأحمد إبراهيم الفقية ومصطفى أبو النصر وشمس الدين موسى وعم فاروق عطية، السيناريست المحجوب برغبته، وعشرات الكتّاب والمثقفين، منهم من كان دائمًا في الصورة: جهاد بيسان عدوان، ومصطفى أبو النصر وكامل زهيري ويوسف إدريس وخيري عبد الجواد وأحمد سعيد، كان دائمًا يلتقي بهم وبي في أتيليه القاهرة في شارع كريم الدولة في الثلثاء من كل أسبوع، بداية من العام 1988.
 
 
 
 
الوحدة
حصل أحمد عمر شاهين على جائزة الدولة في فلسطين. المؤسف في الحكاية أنّه مات وحيدًا، في شقته، وسمعت أنّ مكتبته "اتنفضت" أو سُرقت أو سطا عليها أقرب شخص له في العائلة! وكم أتمنى عمل أي شيء- مهما بدا بسيطاً- تكريماً لهذا الرجل العصامي الرائع الذي آنسنا كثيرًا بدايةً من العام 1989 حتى رحيله.
 
فهو ممن رحلوا بعدما نوّروا حياتنا بإنسانيتهم قبل إبداعهم وزرعوا دون حصاد. وليست هذه الكلمات في ذكرى ميلاده الـ84 سوى تذكير بسيط بقيمة العم أحمد، الذي لمست روحه وقلبه فترك فيّ ذكريات تهز وجداني بقوة وبشغف.
 
الكاتب أحمد عمر شاهين (1940-2001) كاتب ومترجم هاجر مع أسرته من غزة إلى يافا في العام 1948، وأنهى تعليمة الأساسي في مدارس مخيم يونس ثم التحق بقسم عمارة مدني في كلية الهندسة. ونظراً إلى ظروفه المادية الصعبة، ترك الجامعة عائداً إلى غزة. وفي العام 1967، انتقل الى مصر والتحق بجامعة أسيوط المصرية ليحصل على بكالوريوس الهندسة قسم عمارة مدني ويسكن حي السيدة زينب في القاهرة، واشتغل على نفسه بعصامية مفرطة، فتعلّم الفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية، ثم عمل بالتدريس في مدارس حي السيدة في القاهرة، ولكنه استقال من التدريس وتفرّغ للكتابة والترجمة بعد إصابته بمرض "السكري". 
 
ترجم وألّف وكتب أكثر من 30 عنواناً أدبياً وروائياً وفكرياً لكتّاب ومؤلفين من ألمانيا وفرنسا وإنكلترا، ثم انضمّ مترجماً الى دائرة الثقافة التابعة للإتحاد العام للكتّاب والصحافيين الفلسطينيين، وعضواً في الإتحاد العام للكتّاب والأدباء في فلسطين وكذلك عضواً في مقرها في القاهرة.  
 
تمّ إبعاده إلى العراق في العام 1978، إثر إغتيال "أنور السادات" حتى سمحت له السلطات المصرية بالدخول إلى مطار القاهرة ليعتصم مدة 17 يوماً في مصر، فقرّر له العودة بعد تدخّل الكثير من الكتّاب العرب والمصريين ومن كتّاب فلسطين من أصحاب النفوذ. 
 
بعد وفاته، فُتحت وصيته، التي كتب فيها، انّه يتبرّع بكل مكتبته إلى مكتبة عامة في "خان يونس"، فقامت بلدة خان يونس في العام 2004 بإنشاء مكتبة عامة تابعة لها في مبنى كبير ضخم يضمّ مكتبته وكتبه وأعماله التي تحتوي على أكثر من 5 آلاف عمل وعنوان.
 
من أهم أعماله "بيت للرجم بيت للصلاة"، "وإن طال السفر"، "زمن اللعنة"، "توأم الخوف"، "الإختناق"، "الآخرون"، "إيماءات"، "المندل"، "حالات"، "موسوعة كتاب فلسطين في القرن العشرين"، " رجل في الظل"، "حمدان طليقاً"، إضافة إلى ترجمات كثيرة.
حاز جائزة الدولة للكتاب في فلسطين بعد وفاته بأيام في العام 2001 كأول كاتب فلسطيني يحصد جائزة الدولة في ظل السلام/ الحصار.
 

اقرأ في النهار Premium