النهار

الحرب ألحقت دماراً فائقاً بنظام الرعاية الصحية في لبنان
المصدر: النهار
وثَّقت منظمة الصحة العالمية حدوث دمار واسع وغير مسبوق لنظام الرعاية الصحية في لبنان خلال حرب إسرائيل الأخيرة عليه
الحرب ألحقت دماراً فائقاً بنظام الرعاية الصحية في لبنان
أضرار الحرب على مختلف القطاعات؟
A+   A-

وثَّقت "منظمة الصحة العالمية" حدوث دمار واسع وغير مسبوق لنظام الرعاية الصحية في لبنان خلال حرب إسرائيل الأخيرة عليه

يُعاني لبنان الذي يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي والصراعات المتكررة، من تأثيرات حادة على نظام الرعاية الصحية بسبب الأزمات المتواصلة. فقد أدت الحروب والنزاعات الداخلية والتحديات الاقتصادية إلى إرهاق البنية التحتية الطبية، ما يترك أثراً واضحاً وتحدياً كبيراً.

يواجه نظام الرعاية الصحية في لبنان أزمة خطيرة، مع ارتفاع عدد الوفيات بين العاملين في مجال الرعاية الصحية والمرضى بشكل غير متناسب مقارنة بمناطق الصراع الأخرى.

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، انصبَّ 47 في المئة من الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، أي 65 من أصل 137هجمة، أدى كل منها إلى مقتل عامل صحي واحد على الأقل أو مريض في لبنان. وتعتبر تلك النسبة الأعلى بين الصراعات النشطة في العالم حاضراً، وفق تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية على موقعها الشبكي.

 

بالمقارنة مع المعدل المتوسط العالمي، فإن النظام الصحي في لبنان يشهد مستوى غير مسبوق من العنف. يبلغ معدل الوفيات العالمي للهجمات على الرعاية الصحية 13.3 في المئة من إجمالي عددها فيي الصراع المسلح، بناءً على بيانات من 13 دولة أو منطقة سُجلت هجمات فيها خلال نفس الفترة. من بين هذه الدول أو المناطق أوكرانيا، والسودان، والأراضي الفلسطينية المحتلة التي يصل معدل الوفيات المماثلة فيها إلى 9.6 في المئة.

وقد قُتل 226 من العاملين الصحيين والمرضى في لبنان وأصيب 199 آخرون بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2024.

 

خلال نفس الفترة، سجلها "نظام مراقبة الهجمات على الرعاية الصحية"  SURVEILLANCE SYSTEM FOR ATTACKS ON HEALTH CARE الذي تعمل ضمن "منظمة الصحة العالمية"، حدوث 1401 هجوم على القطاع الصحي في كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة ولبنان وإسرائيل، منها 1196 هجوماً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، و137 في لبنان، و68 في إسرائيل.

نمط مقلق للغاية

 

وفق ما صرح به ممثل "م ص ع" في لبنان، الدكتور عبد الناصر أبو بكر، "تكشف هذه الأرقام مرة أخرى عن نمط مقلق للغاية. الأمر واضح تماماً. هنالك حرمان للمدنيين من الوصول إلى الرعاية المنقذة للحياة واستهداف مقدمي الخدمات الصحية، ما يعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي. يحظر القانون استخدام المرافق الصحية لأغراض عسكرية. وحتى في حال حدوث ذلك، فإن اتخاذ أي إجراء ضدها يتطلب شروطاً صارمة، بما في ذلك واجب التحذير والانتظار بعد التحذير" .

في الإطار نفسه، شددت الدكتورة  حنان بلخي، المديرة في "منظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط" على وجوب تطبيق "عواقب لعدم الامتثال للقانون الدولي. ويجب الالتزام دائماً بمبادئ الحذر، والتفريق، والتناسب. لقد قيل ذلك من قبل، إن الهجمات العشوائية على الرعاية الصحية تعدّ انتهاكاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي، ولا يمكن أن تصبح الوضع الطبيعي الجديد، لا في غزة، ولا في لبنان، ولا في أي مكان آخر".

 

التأثير مضاعف

 

تشير الأرقام إلى أن غالبية الحوادث (68 في المئة) في لبنان التي سجلها  "نظام مراقبة الهجمات على الرعاية الصحية"  أثّرت على العاملين في مجال الصحة. وقد تكرر ذلك النمط في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في غزة خلال العام الماضي.  

 

تؤثر الهجمات على الرعاية الصحية مرتين. أولاً، حينما يفقد العاملون في مجال الصحة حياتهم أو عندما يتم تدمير مركز صحي، ومرة أخرى في الأسابيع والأشهر التالية حينما تتعذر معالجة المصابين، ولا يتلقى أولئك الذين يعتمدون على الرعاية المنتظمة العلاج، وتنعدم إمكانية تطعيم الأطفال.

 

الأثر طويل الأمد

برأي الدكتور أبو بكر أن "أرقام الضحايا بين العاملين في مجال الصحة بهذا الحجم كفيلة بإضعاف أي دولة، وليس لبنان وحده. لكن ما لا يمكن أن تعبر عنه الأرقام وحدها هو الأثر طويل الأمد، كالعلاجات التي لم تُقدم للحالات الصحية، والنساء والفتيات اللواتي منِعن من الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والجنسية، والأمراض القابلة للتشخيص التي جرى تجاهلها. وفي النهاية، هنالك الأرواح التي فقدت بسبب غياب الرعاية الصحية. هذا هو الأثر الذي يصعب قياسه".

 

1 من كل 10 مستشفيات في لبنان تأثرت بشكل مباشر

كلما زادت الضربة التي تلحق بالقوى العاملة في مجال الصحة، تضعف قدرة البلد على التعافي في المدى الطويل وتقديم الرعاية الصحية في بيئة ما بعد النزاع.

تعرض لبنان لعدة أزمات في السنوات الأخيرة، ولكن بعد تصاعد الأعمال العدائية في لبنان في أيلول (سبتمبر) 2024، تسببت الهجمات المتزايدة على المنشآت الصحية بمزيد من الضغط على نظام صحي مثقل أصلاً.

 

اليوم، يواجه نظام الصحة في البلاد ضغوطاً شديدة،. لقد توقفت 15 من أصل 153 مستشفى عن العمل أو باتت تعمل جزئياً. مثلاً، فقدت محافظة النبطية، إحدى محافظات لبنان الثماني، 40 في المئة من سعة أسرتها في المستشفيات.

 

وانطلاقاً من ذلك، ترى الدكتورة بلخي أن "الهجمات على الرعاية الصحية بهذا الحجم تعطل النظام الصحي حينما يحتاج الأشخاص الذين تعتمد حياتهم عليها إلى المساعدة أكثر من أي وقت مضى. بعيداً عن فقدان الأرواح، فإن وفاة العاملين في المجال الصحي تمثل خسارة لسنوات من الاستثمار وموارد حيوية لدولة هشة في المستقبل".

 

وبين 1 كانون الثاني (يناير) 2024 و 18 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، سُجِّل 1246 هجوماً على الرعاية الصحية على مستوى العالم. وقد حدثت في 13 دولة أو منطقة، وأسفرت عن مقتل 730 من العاملين في مجال الصحة والمرضى وإصابة 1255 آخرين.

 

تُبرز الإحصاءات المقلقة المتعلقة بالهجمات على الرعاية الصحية في لبنان، الحاجة الملحة للتحرك بهدف حماية العاملين في الرعاية الصحية والمنشآت الصحية. لا يمكن تجاهل انتهاك القانون الإنساني الدولي والآثار المدمرة على النظام الصحي في لبنان. من الضروري أن يدعو المجتمع الدولي إلى الالتزام بالقانون الدولي وضمان بقاء الرعاية الصحية خدمة محمية وأساسية، سواء في لبنان، أو في جميع أنحاء العالم.

اقرأ في النهار Premium