أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الخميس 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، أن بلاده مستعدة للتعاون وإزالة أي "شكوك وغموض" بشأن برنامجها النووي، في وقت تتصاعد فيه الضغوط الدولية على طهران تزامناً مع انتخاب رئيس جديد لأميركا.
وخلال لقاء في طهران مع مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، قال بزشكيان "كما أثبتنا مراراً حسن نياتنا، نحن مستعدون للتعاون والتقارب مع هذه المنظمة الدولية".
وأوضح الرئيس الإيراني الذي ينسق خطواته مع المرشد الأعلى علي خامنئي في ما يختصّ بعدم رغبة البلاد في دخول حرب لا مع إسرائيل ولا حتى مع القوات الأميركية المتمركزة في المنطقة، ما دام وكلاؤها في المنطقة يستطيعون تحسين ظروف التفاوض لديها. فهي تدرس خطواتها جيداً مع الدول الغربية، لهذا قامت ديبلوماسيتها بحركة مكوكية ضمن سلسلة من اللقاءات التي فاجأ بعضها الرأي العام المتابع، رغم أن بعض لقاءاتها متوقعة نسبةً لتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ولبنان نموذجاً.
قبل الدخول في دهاليز اللقاءات الإيرانية، يتوقف المتابع عند سياسة "الصبر الاستراتيجي"، التي ظهرت في ردّها على الاعتداءات الاسرائيلية على سيادتها الذي لم يرقَ إلى مستوى الحدث. رغم الضربة الإسرائيلية الأخيرة التي دمرت دفاعات إيران الجوية، إضافة إلى توجيه الضربات لمصانع إنتاج الصواريخ، إلى الآن لا مؤشرات إيرانية توضح طبيعة "الوعد الصادق 3"، فعلى ما يبدو المسألة لا ترتبط فقط بسياسة إيران، بل بعدم الرغبة عند حلفائها الدوليين من روسيا والصين حيث لم تلمس منهما أيّ نيّة للدخول معها في مغامرات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط.
لا تحتاج روسيا إلى فتح جبهة جديدة في المنطقة، هي المنشغلة بحربها في أوكرانيا التي يتوقع البعض أن تستمر ما دام هناك دعم غربي واضح، وعلى ما يبدو الجبهة باتت تنزلق نحو تحوّل خطير في ظلّ تقارير تتحدث عن إمكان قدرة كييف على إنتاج قنابل نووية في غضون أشهر. هذا إضافة إلى تضارب المصالح الإيرانية الروسية في الملعب السوري، ما دفع وقاحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتقديم مقترح تسوية تكون روسيا شريكة أساسية فيه على أن تعمل على منع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى "حزب الله" في لبنان، إلا أنّ روسيا عارضت ذلك معتبرة أن قواتها موجودة في سوريا لمكافحة الإرهاب ليس أكثر.
الروسي لديه أعذاره التي تجعل منه حيادياً في ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، فأكثر من الإدانة لن يقدم على اتخاذ أي قرار، لا تجاه إسرائيل ولا دعماً لإيران وشركائها. أما الحالة الصينية الغائبة عن الساحة الدولية وصراعاتها فتبقى هي "المحيّرة" بالنسبة إلى محور الممانعة. فبكين رغم حاجتها إلى قلب وتغيير النظام العالمي إلى آخر متعدد الأقطاب، لم تصل إلى مرحلة تأسيس حضارة تستطيع أن تكون ركيزة العالم كما حال الولايات المتحدة.
قرأت طهران جيداً عدم حماسة الشركاء، لهذا قررت السير بالمناورات الديبلوماسية مع الأميركي، مستفيدة من الميدان المشتعل في لبنان والمنطقة باعتباره يرفع من مستوى شروطها، ويعزز مكانتها التفاوضية.
لقاء بزشكيان مع المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا يحمل دلالات في السياسة الخارجية إلا بعد ربطه باللقاء الذي كشفت عن تفاصيله صحيفة نيويورك تايمز الخميس 14 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، والذي جمع الملياردير إيلون ماسك مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، بهدف إزالة الشكوك حول ملف إيران النووي. وأتى هذا اللقاء بعدما قرر الرئيس المنتخب دونالد ترامب ضمّ ماسك إلى مجموعة معاونيه في البيت الأبيض. هذا ما يعطي اللقاء طابعاً رسمياً، بعيداً عن عقد الصفقات التجارية التي يقوم بها ماسك مع رؤساء دول، ويأتي هذا اللقاء في سياق ما تسعى إليه إدارة ترامب من لملمة سياسة بايدن التي تشظت بحروب في أكثر من منطقة في العالم.
على خلاف لقاء بزشكيان وإيرواني الذي نفت حصوله الوكالات الإيرانية بشدة، فإن لقاء علي لاريجاني، كبير مستشاري المرشد الأعلى في بيروت، الجمعة 15 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، حمل أهدافاً مختلفة. فلاريجاني ليس الشخصية السياسية الرفيعة المستوى الوحيدة التي تزور بيروت في هذه الفترة، بل سبقت زيارته زيارتان لوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، ولمحمد باقر قاليباف رئيس البرلمان الإيراني، حيث أتت زيارتهما لتعطيل تصريحات لبنانية رسمية، تطالب بوقف النار والتزام البلاد بتطبيق القرار 1701.
فعّلت طهران دورها في لبنان، لا سيما بعد اغتيال إسرائيل قادة "حزب الله" من الصف الأول وعلى رأسهم الأمين العام السيد حسن نصرالله في 27 أيلول (سبتمبر) الماضي، واعتبرت أن قرار الحرب والسلم للجبهة اللبنانية مرتبط بمصالحها شخصياً. لهذا ليس صدفة أن تأتي زيارة لاريجاني بعدما تلقى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري اقتراحات الإدارة الأميركية للتوصّل إلى وقف النار في لبنان.
لم يعد خافياً أن إيران أمسكت بالورقة اللبنانية، وبدأت تستخدمها في مفاوضاتها مع الدول الغربية في ما يتعلق بملفها النووي. كما أن إيران تدير الحرب في المنطقة بالوكالة عبر مجموعات موّلتها بالمال والسلاح، لممارسة الضغط على الغرب عبر ربيبته إسرائيل في المنطقة. فإيران استفادت من تجارب العرب في حرب 1973 عندما استخدموا سلاح النفط للضغط على الغرب لوقف هجوم إسرائيل على سوريا. واليوم تجد إيران أنها قادرة على أداء دور العرب ذاته، لكن من خلال الضغط على إسرائيل عبر تكثيف العمليات العسكرية على الكيان الإسرائيلي لتحقيق مصالحها متجنبة دخول عاصفة الحرب التي يتمنّاها نتنياهو. فهل ستستطيع ليّ ذراع الغرب في ما يرتبط بتخفيف العقوبات عليها، والتوصّل إلى اتفاق في ملفها النووي؟ أم ستدخل المنطقة في حرب مفتوحة لن تخرج منها إلا على قاعدة خاسر ورابح؟