"من هو هذا الرجل؟ اللـعنــة".
ما قاله أحد ممارسي النفوذ في الصناعة الدفاعية الأميركية خلال حديث إلى مجلة "بوليتيكو" يعبّر عن صدمة لدى بعض المراقبين البارزين من خيار الرئيس المنتخب دونالد ترامب كوزير للدفاع: بيت هيغسيث.
كبير الديموقراطيين في لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب آدم سميث أعرب عن موقف مشابه: "أعترف بأنني لم أكن أعلم من هو حتى 20 دقيقة خلت". وأضاف: "بالتأكيد لا يبدو أن لديه خلفية مهما كانت في سياسة وزارة الدفاع".
هيغسيث هو معلّق محافظ وإعلامي على شبكة "فوكس نيوز" مع خلفية عسكرية ليست كافية بالنسبة إلى البعض كي يتولى حقيبة الدفاع. كان ضابطاً سابقاً في الحرس الوطني وقائد فصيلة في خليج غوانتنامو، كما خدم في العراق وأفغانستان. وشغل في السابق منصب المدير التنفيذي لجمعية "قدامى المحاربين من أجل أميركا". خلال خدمته العسكرية، نال هيغسيث مرتين ميدالية النجمة البرونزية.
محارب عسكري... وثقافي
لعل أبرز ما يميز هيغسيث محاربته لـ"اليقظوية" في الجيش الأميركي والولايات المتحدة، أكان في إطلالاته الإعلامية أو في كتبه العديدة ومن بينها "الحرب على المحاربين: خلف خيانة الرجال الذين يبقوننا أحراراً" (2024) و"معركة من أجل العقل الأميركي: اقتلاع قرن من سوء التعليم" (2022).
قبل أيام قليلة فقط، قال هيغسيث إنه يجب ألا يكون هناك أي دور قتالي للنساء: "لم يجعلنا هذا أكثر فاعلية، لم يجعلنا هذا أكثر فتكاً، وجعل القتال أكثر تعقيداً". رأى المعلق السياسي في شبكة "سي أن أن" كارل بيرنستين أن الخطوة جزء من خطة واسعة لترامب للتخلص من التجربة الأميركية الليبرالية في الحكم. "إنه جدّيّ بشكل قاتل".
وفي إحدى مقابلاته على منصة "بودكاست"، شدد هيغسيث على ضرورة طرد جميع الجنرالات المنخرطين في "أي من هراء يقظوية التنوع والعدالة والدمج" مفضلاً العودة إلى القيم والأهداف التي كانت سائدة سنة 1995 تقريباً لدى اختيار الجنود.
مواقف هيغسيث في هذه القضايا تجعله محبوباً بين القواعد الشعبية الضيقة لتيار "ماغا" الذي يبذل جهداً إعلامياً كبيراً لمحاربة "اليقظوية". لكن تلك المواقف نفسها قد تجعل طريق هيغسيث إلى ترؤس وزارة الدفاع صعبة. مجلة "واشنطن تايمز" كتبت أن هذا الخيار قد يكون الأصعب بالنسبة إلى دونالد ترامب من حيث الحصول على المصادقة اللازمة من مجلس الشيوخ.
كما هي الحال مع جمهوريين كثر، لم يكن هيغسيث دوماً مؤيداً للرئيس المنتخب. سنة 2015، انتقد خطة اجتماعية اقترحها ترامب لمعالجة مشاكل المحاربين القدامى قبل أن يدعم خلال الانتخابات التمهيدية السيناتورين ماركو روبيو ثم تيد كروز. لكنه في النهاية أيّد المرشح النهائي للحزب: "أعتقد أن الرئيس دونالد ترامب هو آخر خط دفاعي لأميركا".
من "المحافظين الجدد"... ولكن
في المراحل الأولى من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أطلق هيغسيث بعض المواقف المتباينة. هو قال إن الغزو الروسي الواسع النطاق لأوكرانيا مهم، لكنه يصبح أقل أهمية بكثير عند مقارنته بـ"اليقظوية". لكنه شدد في مقابلة أخرى مع "فوكس نيوز" على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "يريد استعادة الاتحاد السوفياتي. أنا أريد استعادة أوكرانيا. أريد استعادة كييف". وطالب بتسريع نقل المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا لوقف بوتين ولمنع توسع الحرب إلى أخرى تشمل أعضاء حلف شمال الأطلسي ومن ضمنهم الولايات المتحدة. وحذّر من أن وقف إطلاق النار سيمثل فرصة لبوتين من أجل إعادة حشد موارد بلاده العسكرية.
بمرور الوقت، خفف هيغسيث لهجته. في مقابلة أخرى على الشبكة نفسها شهرَ شباط (فبراير) 2023، حافظ هيغسيث على تفضيله لانتصار أوكرانيا، في مقابل خفض سقف توقعاته بشأن قدرة أميركا على مواصلة دعم كييف في وقت تدعم الصين موسكو كما قال. "أنا محافظ جديد صدمه الواقع".
"إسلاموية بقنبلة"
بات هيغسيث يعتقد أن روسيا لن تستطيع التقدم نحو سائر أوروبا إذا انتصرت في أوكرانيا، مع تشديد على ألا تنخرط واشنطن في نزاع نووي مع موسكو. فما يقلقه حقاً هو حصول إيران على السلاح النووي لأنها "راديكالية إسلاموية". وأوضح: "أعتقد أن إسلاموياً مع قنبلة (نووية) مختلف عن شيوعي مع قنبلة". وقال إنه بالنظر إلى عدم حماسة واشنطن لبناء الدول أو تغيير الأنظمة، يجب عليها عدم منع إسرائيل من قصف المنشآت النووية. ووصف القيود المفروضة على تل أبيب في هذا الصدد بـ"السخيفة".
وأعلن هيغسيث أن الصين تبني جيشاً مخصصاً لإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة، مضيفاً أن جميع ألعاب الحرب التي أجراها البنتاغون تبيّن أن بكين منتصرة.
بحسب "واشنطن بوست"، دعا هيغسيث في السابق إلى تمديد فترة وجود القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، كما استخدم نفوذه الإعلامي لإخفاء تحقيقات في جرائم حرب خلال ولاية ترامب. وأضافت أنه إذا تمت المصادقة على تعيينه، فسيعزز هيغسيث رؤية ترامب القائمة على قوة وجرأة أكبر للجيش الأميركي.
وهذا ما كتبه ترامب في منشور الإعلان عن التعيين: "بيت قوي، ذكي ومؤمن حقيقي بأميركا أولاً. مع بيت في موقع القيادة، إن أعداء أميركا أُنذِروا – جيشنا سيكون عظيماً مجدداً، وأميركا لن تتراجع أبداً".