ما الذي تغيّر بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 2728 الذي يدعو إلى وقف فوري للنار في قطاع غزة خلال شهر رمضان، وإطلاق غير مشروط لجميع الرهائن، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع؟.
ببساطة، لم يتغيّر شيء على الأرض، سواءً لجهة الهجمات الإسرائيلية التي تصاعدت واقتربت أكثر من رفح، أو على صعيد إدخال المساعدات الغذائية بكميات أكبر من تلك التي تسمح بها اسرائيل قبل القرار (بقيت عند حدود 150 شاحنة يومياً أي أقل بنسبة 70 في المئة مما كانت عليه قبل الحرب).
ومنذ صدور القرار، حرص المسؤولون الأميركيون على التأكيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الساخط على امتناع الولايات المتحدة عن استخدام الفيتو لإسقاط القرار والسماح بتمريره بعد امتناعها عن التصويت، أنّ القرار غير ملزم، وتالياً لا ضرورة كي يكون سبباً في إحداث مزيد من التوتر في العلاقات الأميركية- الإسرائيلية.
ليست التطمينات الأميركية وحدها هي التي حملت نتنياهو على العودة عن قراره بمنع إرسال وفد من قِبله إلى واشنطن، بغية مناقشة الأفكار الأميركية حول البدائل التي تقترحها إدارة الرئيس جو بايدن لهجوم عسكري على رفح. واتبع ذلك بإعادة وفد التفاوض الإسرائيلي إلى القاهرة لمواصلة المحادثات حول هدنة الأسابيع الستة وصفقة تبادل الأسرى.
المرونة التي أبداها نتنياهو هنا، تعكس أيضاً إدراكه للمغزى الفعلي لامتناع واشنطن عن التصويت في مجلس الأمن، والسماح بتمرير القرار 2728. تلك كانت رسالة تحذير أميركية لا لبس فيها لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال استمرار نتنياهو بمعاندة الولايات المتحدة.
واعتبر المندوب الأميركي السابق لدى حلف شمال الأطلسي إيفو إتش. دالدار، أنّ "امتناع الولايات المتحدة يبعث برسالة قوية، حتى ولو كان على المدى القريب، من غير المرجح اتخاذ مجلس الأمن خطوات إضافية".
وأيضاً المبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط دنيس روس اعتبر القرار "ذا رمزية قوية".
هذا التراجع لا يمكن ردّه فقط إلى التطمينات الأميركية، بل إنّ نتنياهو يدرك ولا شك على رغم المكابرة، أنّه يواجه مأزقاً كبيراً في حملته لتحقيق الهدفين المزدوجين للحرب في وقت واحد: تدمير "حماس" واستعادة الرهائن.
وبحسب المحلل السياسي ميتشل باراك من معهد كيفون للأبحاث، فإنّ "الهدفين متعارضان مع بعضهما، ولا يمكن أن يتحققا معاً... وما من جانب سيكون سعيداً هنا"، في اشارة إلى الإسرائيليين المنقسمين بين مؤيّد لاستمرار الحرب وداعٍ إلى إبرام صفقة التبادل.
ويشير معهد اسرائيل للديموقراطية، إلى أنّ الانقسام يأتي على خلفية إيديولوجية، بحيث ينتمي المؤيّدون للصفقة إلى اليسار والوسط، بينما ينتمي المعارضون إلى الأحزاب اليمينة والدينية.
ومهمّة نتنياهو الخروح باتفاق يُرضي الطرفين وينقذ حكومته، تكاد تكون مستحيلة. ومن خلال إعادة الوفد الاسرائيلي إلى مفاوضات القاهرة، يُرضي المطالبين بالتوصل إلى اتفاق، ومن خلال التأكيد على أنّ الهجوم على رفح حاصل لا محالة، سواءً على طريقته أو على الطريقة الأميركية، يرضي الأحزاب الدينية التي يحتاجها للحفاظ على بقائه السياسي.
وتعبيراً عن هذا المأزق، يقول الأستاذ الفخري في جامعة القدس العبرية ابراهام ديسكين "إنّ نتنياهو يحاول أن يكون متشدّداً في المفاوضات من جهة، ويحاول أن يرضي المعارضين له ولحكومته".
وفي أي اتفاق محتمل، يخاطر نتنياهو بالإخفاق في تحقيق الهدف الذي حدّده مراراً وتكراراً للحرب، ألا وهو "النصر الكامل" على "حماس"، بما في ذلك تفكيك السلطة العسكرية والسياسية للحركة.
ولاحظت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أنّ "عائلات الرهائن صارت أكثر جرأة في انتقاداتها لرئيس الوزراء، داعيةً هذا الأسبوع بايدن إلى دفع نتنياهو شخصياً للقبول باتفاق. وفيما تتدنى شعبية نتنياهو فإنّ الحركة التي نشأت قبل الحرب وملأت الشوارع بتظاهرات ضدّ الحكومة، عادت لتظهر مجدداً من أجل الدفع نحو التوصل إلى اتفاق لتحرير الرهائن والدعوة إلى انتخابات".
وتُظهر استطلاعات الرأي أنّ 51 في المئة من الإسرائيليين يؤيّدون إجراء انتخابات تشريعية مبكرة هذه السنة، مقابل معارضة 38 في المئة.