التردّد الذي يبديه الرئيس الأميركي جو بايدن في نهج إدارته حيال الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، والتي دخلت شهرها الثامن، أوقعه في مشاكل لا حصر لها، تشكّل تهديداً جدّياً لحملة انتخابه لولاية ثانية. المماطلة في دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى القبول بوقف الحرب قبل أشهر من الآن، تسبّبت في الكثير من الأزمات التي نشأت كردّ فعل على الحرب.
إنّ إعلان بايدن تعليق إرسال بعض أنواع القنابل الهجومية لإسرائيل، كان يمكن أن يحصل قبل سقوط المزيد من الضحايا المدنيين في غزة، وقبل استفحال الجوع، وقبل اضطرار أميركا إلى إقامة جسر عائم لإيصال المساعدات بحراً، وقبل إلقاء المواد الإغاثية من الجو، وقبل انتشار الاحتجاجات الطلابية في أحرام الجامعات الأميركية وفي اوروبا وفي مناطق أخرى من العالم، للمطالبة بوقف الحرب.
هل التردّد سياسة ناجحة؟ والجواب، لم يثبت أنّها كذلك، بدليل تدني نسبة القبول لدى الأميركيين لمواقف بايدن. هناك ثورة داخل الجناح اليساري في الحزب الديموقراطي. هذا الجناح لا يمكن لبايدن تجاهله، لأنّه اضطلع بدور رئيسي في إيصاله إلى البيت الأبيض عام 2020. والرهان على تعويض ما سيخسره من يساريين بأصوات الوسطيين، ليس أمراً مضموناً.
من أعمق المآزق التي يواجهها بايدن حالياً هي الاحتجاجات الجامعية. هذه الاحتجاجات ليس القمع هو الوسيلة الناجعة لوضع حدّ لها. استخدام القوة لإسكات أصوات الطلاب المعترضين على سياسته، سيصبّ الزيت على النار. هكذا تدلّ التجارب. والأنسب، هو الذهاب إلى معالجة الأسباب والضغط على الحكومة الإسرائيلية المتشدّدة كي تقبل بوقف النار في غزة.
لا يملك بايدن ترف الوقت والانتظار. فانتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) تقترب، والجمهوريون يستخدمون ورقة الجامعات للقول إنّ الديموقراطيين يقودون الولايات المتحدة إلى الفوضى، بينما هم يزعمون بأنّهم الأقدر على فرض النظام والقانون. لكن العلاج ليس بالقمع وإنما بالتوصل إلى وقف للنار في غزة وبدء عمليات الإغاثة، لأكبر نكبةّ من صنع الإنسان في القرن الحادي والعشرين.
هل تأخّر بايدن؟ تتوقف الإجابة على الفاعلية التي سيستخدم بها مقدّرات أكبر دولة في العالم من أجل حمل نتنياهو ومتشدّديه على وقف القتل في غزة. ليس هذا فحسب، بل بالإقلاع عن تصوير التاريخ وكأنّه بدأ في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وأنّ ما حدث، إنما حدث من فراغ، ولم يسبقه صراع عمره 75 عاماً بين مُحتلِ ومُحتَل، بين دولة قامت على القوة، وشعب يطالب بأن يكون له الحق في تقرير المصير، شأنه شأن كل شعوب العالم.
لكن الإخفاق الأميركي على مدى عقود في الضغط على إسرائيل للقبول بتسوية للقضية الفلسطينية، هو الذي ساهم في الوصول إلى 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023. الولايات المتحدة بإداراتها الديموقراطية والجمهورية عجزت عن إقناع أية حكومة إسرائيلية بقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967.
هذا جذر القضية، وكل تغاضٍ عن هذه الحقيقة أو هذا الواقع، لا يصبّ في الحل، بل يزيد الأمور تعقيداً ويمهّد لانفجارات وحروب أخرى. وإذا كان زعماء إسرائيل لا يريدون الإقرار بهذه الحقيقة والمضي في سياسة أنّ القوة وحدها هي الحل، فإنّ مسؤولية أميركا هي حملهم على تغيير هذه المقاربة الدموية التي لم تجلب على الشرق الأوسط سوى الخراب.
وعلى عاتق بايدن تقع الآن مهمّة ملحّة، وهي وقف القتل في غزة قبل كل شيء. بعدها يكون الاختبار الأصعب، وهو كيفية إقناع نتنياهو أو غيره من المسؤولين الإسرائيليين في أنّ احتلال شعب آخر لا يجلب السلام، ولو امتلكت إسرائيل أضعافاً مضاعفة من القوة.
ويصعب التفاؤل بأنّ بايدن سيكون قادراً في 6 أشهر على إنجاز ما أخفق فيه أسلافه منذ 75 عاماً.