النهار

المناورات الصينيّة أبعدت تايوان خطوة إلى الوراء
سميح صعب
المصدر: النهار العربي
صحيح أن الكثير من الخلافات لا تزال قائمة بين أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم، وفي مقدمها تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وكوريا الشمالية، والحرب الروسية-الأوكرانية والنزاعات التجارية، والعقوبات المتبادلة، لكن ثمة حرص من الجانبين على تفادي انتقال التنافس الجيوسياسي في المحيطين الهادىء والهندي إلى صدام مباشر.
المناورات الصينيّة أبعدت تايوان خطوة إلى الوراء
مناورات صينية قبالة تايوان
A+   A-
بعد يومين من المناورات الصينية "العقابية"، اضطر الرئيس التايواني الجديد لاي تشينغ-تي إلى تأكيد انفتاحه على العمل مع الصين من أجل السلام، مخففاً كثيراً من الاندفاع الذي تميز به خطاب تنصيبه في 21 أيار الجاري عندما قال إنه مستعد للوقوف على "خط الجبهة من أجل الدفاع" عن الجزيرة.   
 
 يومذاك اعتبرت بكين أن كلام لاي استفزازي، وردت بإطلاق أوسع مناورات حول تايوان بحراً وجواً، منذ تلك المناورات التي أجراها الجيش الصيني رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركية السابقة نانسي بيلوسي لتايبه في آب (أغسطس) 2022. وأرفقت بكين ردها بتحذير شديد اللهجة صادر عن وزارة الخارجية جاء فيه: "ستتحطم رؤوس قوى استقلال تايوان وستسيل دماؤها عندما ستصطدم (...) بمهمة الصين العظيمة لتحقيق التوحيد الكامل".   
 
التعديل الذي طرأ على خطاب لاي، لا بد أن يكون قد أخذ في الاعتبار أن الصين غير مستعدة للمساومة في مسألة استقلال تايوان. وهذا ما يدركه المسؤولون الأميركيون الذين، رغم وقوفهم إلى جانب تايوان وزيادة المساعدات العسكرية لها، يريدون بالتأكيد تجنب إشعال جبهة أخرى في العالم، بعد جبهتي أوكرانيا وغزة.   
 
وكي لا يحدث سوء فهم للموقف الأميركي، من المقرر أن يلتقي وزير الدفاع لويد أوستن نظيره الصيني دونغ جون على هامش مشاركتهما من 31 أيار (مايو) إلى 2 حزيران (يونيو) في الحوار الأمني السنوي في شانغريلا في سنغافورة. 
 
وتايوان هي نقطة الارتكاز في العلاقات الأميركية - الصينية. ويهم الجانبين البقاء على اتصال كي لا يبلغ التصعيد مرحلة النزاع المسلح. ومهما بلغ الدعم الأميركي لتايوان، فإنها غير مستعدة لإفساد التحسن الذي طرأ على العلاقات بين بكين وواشنطن منذ القمة التي عقدت بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والصيني شي جينبينغ في سان فرانسيسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي. وهناك تبادل مستمر للزيارات من قبل وزراء أميركيين وصينيين.   
 
وصحيح أن الكثير من الخلافات لا تزال قائمة بين أقوى قوتين اقتصاديتين في العالم، وفي مقدمها تايوان، وبحر الصين الجنوبي، وكوريا الشمالية، والحرب الروسية - الأوكرانية والنزاعات التجارية، والعقوبات المتبادلة، لكنّ ثمة حرصاً من الجانبين على تفادي انتقال التنافس الجيوسياسي في المحيطين الهادئ والهندي إلى صدام مباشر.   
 
قد تستخدم واشنطن مسألة تايوان للضغط على الصين، كي تتجاوب مع مطالب أميركية في ملفات أخرى، ومنها عدم مساعدة روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية، وعدم تزويدها تكنولوجيا تحتاجها في تدعيم صناعاتها العسكرية، بيد أن واشنطن لن تخاطر بدفع التوتر بين الصين وتايوان ليخرج عن السيطرة.     
وخلف التهدئة في خطاب الرئيس التايواني تقف نصيحة أميركية بالتراجع خطوة واحدة إلى الوراء لنزع فتيل التوتر في المنطقة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، ويكفي الرئيس جو بايدن حربان ينشغل بهما الآن.   
 
ومع أن الصين تعمل على تطوير قواتها المسلحة، وهي نقطة تثير قلق الولايات المتحدة، فإن ثمة حاجة إلى بكين من أجل تهدئة التوتر في شبه الجزيرة الكورية، نظراً إلى العلاقات الوطيدة التي تربط الصين بكوريا الشمالية. 
 
وعلى رغم العنوان الاقتصادي للقمة التي انعقدت الأحد في سيول بين الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا ورئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ، فمن البديهي أن تتخذ سيول وطوكيو من القمة مناسبة للتعبير عن القلق من التجارب الصاروخية الكورية الشمالية.  
 
إن أي لقاء بين القوى الأساسية في آسيا، وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية، يولد مساحة للتفاهم وتجاوز الخلافات. كما أن قمة سيول تبدد بعضاً من هواجس الصين حيال ما صدر عن قمة كامب ديفيد الأميركية - اليابانية - الكورية الجنوبية في آب من العام الماضي، عندما أُعلن عن تدشين "حقبة جديدة" من التعاون الأمني بين الدول الثلاث.      
  
 

اقرأ في النهار Premium