في خطوة طال انتظارها منذ أواخر القرن العشرين، اتفق أكثر من 190 دولة في الأمم المتحدة على معاهدة وصفت بأنها تاريخية حول براءات الاختراع، الهدف منها مكافحة القرصنة البيولوجية ونهب الموارد الجينية الطبيعية.
ويلاحظ أن المعاهدة ساوت بين مصالح الشركات العملاقة في صناعة "الكائنات المعدلة وراثياً" genetically modified organism، واختصاراً "جي إم أو" GMO، خصوصاً الأميركية منها على غرار شركة "مونسانتو"، وبين مصالح الدول التي تحرص على حماية منتجات الطبيعة في أراضيها، على غرار الهند والصين والبرازيل وغيرها.
وفي التفاصيل، وافقت الأمم المتحدة "على معاهدة جديدة تتعلق بالملكية الفكرية والموارد الجينية والمعارف التقليدية، مسجلة تقدماً تاريخياً توّج مفاوضات استمرت لعقود".
ويذكر أن عام 1993 شهد ولادة "اتفاقية التنوع البيولوجي" التي جاءت كثمرة لجهود ظهرت للمرة الأولى في "قمة الأرض" التي استضافتها ريو دي جنيرو البرازيلية في 1992.
وأشار سفير البرازيل غييرمي دي أغويار باتريوتيا الذي أعلن الموافقة على المعاهدة الجديدة، أنها كانت منتظرة منذ ربع قرن. ووصف المعاهدة بأنها متوازنة واعتبرها "أفضل حل وسط" في الوضع الراهن.
وقد اجتمعت الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية منذ 13 أيار (مايو) الجاري في جنيف لإنجاز هذه المفاوضات التي ترأسها السفير البرازيلي.
وتجرى مراسم التوقيع على المعاهدة في وقت لاحق.
وتعتبر "معاهدة مكافحة القرصنة البيولوجية" الأولى التي تقرها الأمم المتحدة الأولى لهذه المنظمة حول الملكية الفكرية والموارد الجينية والمعارف التقليدية المتصلة بالطبيعة. ويضاف إلى ذلك أنها الأولى التي تتضمن ترتيبات محددة تخص الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
وكذلك ذكر المدير العام للمنظمة دارن تانغ "نُظهر بذلك أن نظام الملكية الفكرية يمكن أن يستمر في التشجيع على الابتكار مع التطور بطريقة أكثر شمولاً ومع تلبية حاجات كل الدول ومجتمعاته"، معتبراً أن توقيع المعاهدة يساوي "صناعة التاريخ".
تعزيز المعاهدة بالعقوبات
بعد إقرار هذه المعاهدة، تستطيع كل دول أن تحسم مسألة مصادقتها عليها. وفي المقابل، تدخل المعاهدة حيز التنفيذ بمجرد تصديق 15 دولة عليها.
وتنص المعاهدة على أن مقدمي طلبات براءات الاختراع الجينية ملزمون بالكشف عن أصول الموارد الجينية والمعارف التقليدية المستخدمة في ذلك الاختراع. ويعتبر البند تقييدياً بالنسبة إلى الشركات العملاقة في صناعات الكائنات المعدلة وراثياً.
كذلك، تنص على عقوبات شكَّل تحديدها وتعريفها هو المصدر الرئيسي للخلاف. فقد أرادت بعض الدول النامية أن تكون قادرة على إلغاء براءات الاختراع بسهولة، فيما اعتبرت الدول الغنية أن العقوبات القاسية من شأنها أن تعيق الإبداع.
ويجب على الدول، قبل تطبيق أي عقوبات، منح مقدم طلب براءة الاختراع الفرصة "لتصحيح" طلبه إذا فشل في الامتثال لمتطلبات التصريح عن أصول الموارد المستخدمة في اختراعه.
عدا ذلك، لا يجوز لأي طرف "إلغاء" أو "إبطال" براءة اختراع لمجرد أن مقدم الطلب لم يقدم المعلومات اللازمة. وفي المقابل، يجوز لأي بلد أن يفرض "عقوبات أو تدابير تصحيحية بعد منح" براءة الاختراع في حالة وجود "نيات احتيالية"، وفقاً لتشريعاته الوطنية.
وبصورة عامة، تهدف المعاهدة إلى مكافحة القرصنة البيولوجية من خلال التأكد من أن الاختراع جديد بالفعل، وضمان موافقة البلدان والمجتمعات المحلية المعنية على استخدام مواردها الجينية الموجودة طبيعياً في الأنواع النباتية، وكذلك الحال بالنسبة إلى المعارف التقليدية المتعلقة بتلك الأنواع.
التزام الشفافية
وينبغي لهذه الشفافية أن تعزز تنفيذ "بروتوكول ناغويا" الذي ينص على أن الأشخاص الذين يقدمون الموارد الجينية أو المعارف التقليدية يستفيدون من المزايا، النقدية أو غير النقدية، الناشئة عن استخدامها.
وفي ذلك الصدد، نقلت وكالة "فرانس برس" عن أنتوني سكوت توبمان الذي أنشأ قسم المعرفة التقليدية في المنظمة العالمية للملكية الفكرية عام 2001، "لن أذهب إلى حد القول إنها (معاهدة) ثورية. إنها تتيح الاعتراف بأن طلب براءة الاختراع يفترض أن لدى مقدمي الطلب "مسؤوليات" وأنه "ليس إجراءً تقنياً بحتاً".
تستخدم الموارد الجينية وتشمل الكائنات الحية الدقيقة والأنواع الحيوانية والنباتية والتسلسلات الجينية، وما إلى ذلك، على نحو متزايد في الكثير من الاختراعات، على سبيل المثال في البذور والأدوية، التي مكنت من إحراز تقدم كبير في مجالات الصحة والمناخ والأمن الغذائي، وفقاً للأمم المتحدة.
في المقابل، ثمة قلق لدى البلدان النامية يتمثل بمنح براءات الاختراع من دون إبلاغ السكان الأصليين أو التقدم بطلبات عن اختراعات لا تعتبر اختراعات في واقع الأمر لأنها تستند إلى معارف تقليدية.
هناك أكثر من ثلاثين دولة تطلب الكشف عن مصادر الموارد ومعظمها دول نامية. وتشمل هذه الدول الصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا وكذلك دولاً أوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وسويسرا. في المقابل، لا تسود الوحدة تفاصيل مواقف تلك الدول.