النهار

منتخب سوريا... من أرجنتين آسيا إلى "هذه حدودنا"
المصدر: النهار العربي
انتهى الحلم السوري بالذهاب إلى مونديال 2026 قبل أن يبدأ، والحديث عن منتخب من المغتربين أصحاب المستوى العالي الذين جاءوا من أميركا اللاتينية، بشكل أساسي الأرجنتين، تحول لحديث عن فضيحة الخروج المبكر لمنتخب فاز في 2 من مبارياته الست فقط...
منتخب سوريا... من أرجنتين آسيا إلى "هذه حدودنا"
الأرجنتيني هيكتور كوبر مدرب منتخب سوريا المستقيل. (إكس)
A+   A-
هاني سكر

انتهى الحلم السوري بالذهاب إلى مونديال 2026 قبل أن يبدأ، والحديث عن منتخب من المغتربين أصحاب المستوى العالي الذين جاءوا من أميركا اللاتينية، بشكل أساسي الأرجنتين، تحول لحديث عن فضيحة الخروج المبكر لمنتخب فاز في 2 من مبارياته الست فقط، وعجز عن الفوز على منتخب بحجم ميانمار التي تلقّت 10 أهداف من اليابان في مباراتين، وهي الحصيلة نفسها التي تلقّاها "نسور قاسيون" أيضاً من اليابانيين.

بالتأكيد لا يتحمّل المغتربون مسؤولية الخروج لوحدهم، فبعضهم قدّم أداءً ممتازاً مثل أيهم أوسو، بالمقابل لم يلبِ العديد منهم الطموحات، وبدا حضورهم بمثابة التجريب داخل استحقاق رسمي، والمشكلة الأكبر كانت بطريقة وتوقيت ضمّهم، تماماً كما حدث حين تمّ استدعاء 7 لاعبين جدد وإحداث تغيير جذري عند دخول المنتخب لأمم آسيا، بدلاً من استثمار فترة 22 شهراً التي فصلت بين نهاية التصفيات وبداية أمم آسيا، والتي تمّ التركيز فيها على تطوير اللاعبين المحليين قبل أن تتغيّر الخطة بالكامل قبل الاستحقاق الرسمي، ويتمّ الذهاب للمغتربين. لذا، يمكن القول إن ما حدث كان نموذجاً حقيقياً للفوضى، فحتى المباراة الأخيرة بالتصفيات شهدت على مشاركة لاعبَين جديدين في مباراتهما الرسمية الأولى، إضافة لمغتربَين آخرين شاركا أساسيين للمرّة الأولى، لتكون الحصيلة هي 4 لاعبين جدد في مباراة حاسمة تلعبها في وسط اليابان، والنتيجة الطبيعية بعدها كانت فوز اليابانيين بخماسية بعد إهدارهم فرصاً إضافية عدة، أما المنتخب الذي كان يلعب بنفَس كوبر الملتزم دفاعياً ضدّ كوريا الشمالية وميانمار ولم يضغط بنصف ملعب أي من المنتخبين، ذهب ليطبّق الضغط العالي بنصف ملعب اليابانيين الذين بدوا مصدومين بما رأوه، ووصلوا لمرمى المنتخب السوري وسجّلوا هدفاً خلال أقل من 10 ثوانٍ عن تواجد الكرة في بداية الملعب.

في آخر نسختين من كأس العالم، نجح منتخب سوريا ببلوغ الدور النهائي من التصفيات مرّتين، وفي نسخة 2018 تأهل بفضل تشكيلة من لاعبي الدوري السوري ومدرب محلي اسمه فجر إبراهيم، قبل أن يتابع أيمن الحكيم الرحلة في الدور النهائي ويصل مع المنتخب لمباراة الملحق التي خسرها في الأشواط الإضافية في استراليا. لكن ما ميّز تلك المرحلة أن الأجواء كانت أكثر هدوءاً داخل المنتخب، والقائمة أكثر استقراراً ووضوحاً، وحتى حين عاد فراس الخطيب للمنتخب اختار المدرب في أول مباراتين أن يشركه بديلاً كي لا يكسر انسجام المجموعة مرّة واحدة، لكن ما حدث في التصفيات الحالية كان العكس تماماً، ففي كل مباراة تنتظر أسماءً جديدة وتتعرف إلى لاعبين جدد وتخرج بعد المباراة لتقول "ما زلنا بحاجة لمزيد من الانسجام".

والملفت، أنه رغم نجاح المدرب السوري، سواءً عبر إبراهيم والحكيم، بتصفيات 2018 إلّا أن الإدارات المتوالية لاتحاد كرة القدم لم تضع ثقتها بالمدرب المحلي، وبالتصفيات الحالية وقع الاختيار على هيكتور كوبر، الذي لم يحقق المأمول في أوزباكستان ومصر، ولا مع منتخب سوريا الذي استقال من تدريبه بعد لقاء اليابان، لأن البحث عن اسم جذاب قد طغى على الرغبة بإيجاد مدرب يصنع أسلوباً جديداً مثل كاساس، مدرب العراق، أو الحسين عموتة، مدرب الأردن، أو مكرم دبوب، مدرب فلسطين، ولعب كوبر دوراً مهماً باستقدام المغتربين من أميركا اللاتينية، كونه قادراً على التفاهم معهم باللغة الإسبانية، إضافة لاسمه وتاريخه الجذاب. لكن ما بناه الاتحاد السوري وكوبر حطماه بأنفسهما بسبب الضياع الذي رافق رحلة المنتخب وإصرار المدرب على أسلوب دفاعي لم يبد حتى متناسباً مع إمكانيات لاعبين مثل خليل الياس وإيزيكيل العم اللذين تمّ استقدامهما من الأرجنتين.

غياب الإدارة والانضباط
لا يتحمّل المدرب هيكتور كوبر مسؤولية الفوضى والتغييرات لوحده. فالتساؤلات حول الحالة الإدارية والانضباطية للفريق صاحبته منذ بداية التصفيات حتى النهاية، حيث وافق السوريون على استبدال مباراة الذهاب مع كوريا الشمالية، التي كان من المفترض أن تُلعب في بيونغ يانغ، مع مباراة الإياب لتُلعب الأولى في السعودية، الأرض الافتراضية لمنتخب سوريا، ويحصل الكوريون على أفضلية لعب المباراة الحاسمة للحسابات إياباً على أرضهم.

ثم حدث ما هو أسوأ، حين ذهب المنتخب للعب مع ميانمار في أول ظهور للفريق بعد الخروج من أمم آسيا، وجاءت تلك المواجهة بعد سيل من الأخطاء التي بدأت بمواصلة استبعاد السومة، ليشرك المدرب ثنائية غير مفهومة في الهجوم، كانت ضريبتها هي فقدان نقطتين من أغلى ما يمكن في التصفيات، وقبل المباراة اعتذر عمر خريبين، هداف الدوري الإماراتي هذا الموسم، عن اللقاء بداعي الإصابة التي انتهى تأثيرها حين وصل المنتخب للسعودية للعب لقاء الإياب بعد أيام، قبل أن يعتذر اللاعب مرّة أخرى عن المشاركة في اللقاءين الحاسمين بالتصفيات بداعي "ظروف خاصة" دون حسيب أو رقيب من اتحاد الكرة، الذي كان قد قبِل اعتذار لاعب شتوتغارت محمود داهود عن خوض المباراة الأولى في ميانمار، على أن يلعب المباراة الثانية التي لم يلعبها أيضاً، بعد ما وصفها اتحاد كرة القدم بـ"المطالب غير المنطقية للاعب ووكيله"، لينسحب من معسكر المنتخب قبل ساعات من خوض اللقاء من دون أن يعود ثانية حتى في شهر حزيران (يونيو) الجاري.

وحين كان المنتخب تائهاً بدوامة التعادل المخيب مع ميانمار، كان منتخب كوريا الشمالية يعتذر عن استضافة لقاء العودة ضدّ اليابانيين في الجولة الرابعة والحُكم النهائي في القضية جاء باعتبار الكوريين خاسرين للقاء بنتيجة 3-0 دون عقوبات واضحة إضافية، ولم يجد الاتحاد السوري وسيلة لممارسة المزيد من الضغط كي تتعرّض كوريا لعقوبات أكبر، وحتى حين تمّ نقل لقاء كوريا وسوريا من بيونغ يانغ إلى لاوس بدا أن هذا بمثابة العقاب للمنتخب الذي تحمّل عناء السفر البعيد إلى لاوس ثم مغاردتها إلى اليابان التي لم يصل إليها المنتخب إلّا بعد مرور حوالى 48 ساعة على لقاء كوريا، في الوقت الذي بقي فيه الكوريون مكانهم ينتظرون استضافة ميانمار وربحوا أفضلية خوض آخر جولتين ضدّ المنتخبين اللذين يبحثان أمامهما عن 6 نقاط بمكان واحد، بالتالي فاز الكوريون بالمعركة الإدارية وفرضوا شروطهم ولعبوا التصفيات كما أرادوا، علماً أنهم لعبوا مباراة ميانمار أيضاً بعد انتهاء مباراة سوريا واليابان، وكانوا يعلمون حينها أن التعادل يكفيهم للعبور للدور النهائي.

"تصفيات من الفشل" هو عنوان مناسب لواحدة من أسوأ مراحل التصفيات التي لعبها المنتخب السوري عبر تاريخه، والتي خرج فيها بسبب فشله بالفوز على ميانمار والهزيمة من منتخب غاب عن الساحة الدولية لحوالى 3 سنوات، والأحلام الكبيرة انتهت عند جملة شهيرة يتناقلها السوريون في كل مرّة لواحد من أشهر المعلّقين السوريين جوزيف بشور، والذي كان يكرّر بعد كل خيبة للمنتخب عبارة "هذه حدودنا". ويبدو أنه حتى لو اتسعت القائمة لتشمل لاعبين من أنحاء مختلفة من الأرض ستبقَى "هذه حدودنا" مرّة أخرى.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium