غاب ميشال كيلو. يجب أنْ يُنحنى أمام غيابه، مثلما يجب أنْ تُقال الأشياء كما هي، عندما تُزان الوزنات. وإذا كان القول لا يقدّم في الحقائق ولا يؤخّر فيها، إلّا أنّه يجب أنْ يُقال، على سبيل الشهادة للحقّ، وبصلابةٍ لا ترتجف، وبصوتٍ عالٍ، ليُسمَع في كلّ حينٍ ومكان.
ميشال كيلو لم يكن حبّةً ولا حبّتين، في تاريخ الكفاح والنضال من أجل الديموقراطيّة في سوريا (ومن أجل الاستقلال في لبنان). فضلُهُ كبيرٌ، وكبيرٌ للغاية، علينا جميعًا. ويُستحال، في هذا الصدد، الإغفالُ والتناسي، مثلما يُستحال تزويرُ المحطات والتواريخ والمفترقات، أو تشويهها، أو تقليل أهميتها. فهذا الرجل تاريخٌ في ذاته، وهو لن يدخل طيّ النسيان، لا في دمشق ولا في بيروت، لا في سوريا ولا في لبنان.
لن يدخل طيّ النسيان لأنّه ضمير.
كلّما اقتضت الوقائعُ توثيقَ المواجهات بين أحرار سوريا وهمجيّات السجون والقمع والظلاميّات الاستبداديّة والديكتاتوريّة والأمنيّة التي حكمت بلاد الشام تحت هول البعث الأسديّ، لا ينبغي في أيّ حالٍ من الأحوال أنْ يغيب عن البال المستنير، الدور الطليعيّ غير الهيّاب الذي اضطلع به ميشال كيلو مع كوكبةٍ عظمى من النساء والرجال، من البطلات والأبطال، الذين ينتمون إلى الكرامات العليا، وهم مناراتٌ للأجيال التي ستظلّ تبحث عن نسمة حريّة، وعن كوّة ضوء تزلزل جبروت هذا النظام الحديديّ البعثيّ الأسديّ المقيت.
يغيب ميشال كيلو، لكنّ الثورات لا تنطفئ. نارها ستظلّ تلمع تحت الرماد، فوق الرماد، في الأودية، في المنبسطات، في السهول، وعلى هامات الجبال. وستظلّ تورق كلوز الربيع، في القرى والمدن والدساكر والزواريب والأزقة والساحات. وإذا كان العنف الدموي لا يزال يلتهم سوريا وشعبها، وإذا كانت هذه البلاد لا تزال في يد الوحش، وتعاني ما تعانيه من تشريد وتهجير وتمزيق وتقطيع أوصال، فإنّ لا استبداد يدوم إلى الأبد، وإنْ يكن استبداد البعث والأسد.
سلامٌ من بيروت – وإنْ قتيلةً - إلى روح ميشال كيلو.